في عالم مليء بالتحديات المتزايدة والفرص المتقلبة، يكمن سر النجاح في القدرة على التفكير بطرق غير تقليدية. في كتابه Out Think، يقدم شون هانتر مزيجًا من الأفكار الاستراتيجية والتفكير النقدي الذي يعزز من قدرتنا على مواجهة التحديات المتطورة والابتكار في كل مجال. يتحدى هانتر القارئ للتفكير خارج الصندوق واستخدام أدوات غير تقليدية لتحقيق التفوق على المنافسين، سواء في الحياة الشخصية أو المهنية.
من خلال هذا
الكتاب، يقدم هانتر لمحة عن كيفية تغيير طريقة تفكيرنا لتقديم حلول أكثر إبداعية
وفعالية. يعرض أفكارًا عملية تساعد على بناء عقلية جديدة تركز على الابتكار
والتغيير الجذري، مما يجعل الكتاب مصدرًا ثمينًا لأي شخص يسعى لتوسيع آفاقه
والتفوق في عالم سريع التغير.
دعونا نغوص معًا في عالم "Out Think"، ونكشف كيف يمكن أن يكون التفكير المختلف هو المفتاح لتحقيق النجاح المستدام.
للإستماع للملخص من هنا:
لتحميل الملخص pdf من هنا:
المعنى الجديد
للميزة التنافسية.
لم تعد الميزة
التنافسية اليوم أمرًا مسلّمًا به في وعي الأفراد والمنظمات والمجتمعات، ولم تعد
الموارد الطبيعية، أو الكثافة السكانية، أو الأعداد البشرية هي الأساس الأول
للتفوق في الأسواق العالمية. فقد أضحت الإبداع، والابتكار، والاستبصار هي الأدوات
الجديدة، والمناهج العصرية، وأنماط الحياة التي يمكن إدراكها، واستثمارها كثقافات
وأخلاقيات عمل.
ويذكرنا ما يجري
اليوم في الأسواق المفتوحة حول العالم بعبارة "هنري فورد" الساخرة
والعميقة:
"كلما
عينت موظفًا ليعينني بيديه، يأتيني إنسان ويعينني بعقله وبصيرته."
في عصر اقتصاد
المعرفة، لم يعد مجرد الإلمام بالاقتصاد كافيًا. فالمعرفة لم تعد هي الميزة
التنافسية الوحيدة، القادرة على تمكين المنظمات من التكيف والتفوق. لقد أصبح
الاستبصار، والقدرة على التنبؤ والاستعداد، ساحة جديدة للمنافسة.
إن دمج وتركيب
عناصر التميز وتسخيرها بذكاء هو العامل الحاسم في الابتكار وصناعة الإبداع وإدارة
المستقبل. فمقومات التفوق موجودة: معلومات، بيانات، متغيرات، فرص، سرعة أداء،
مؤشرات، خبرات، تجارب، ومخاطرات. لكنها بمفردها لا تكفي.
لا بد من رؤية
بعيدة المدى، وإحساس عميق بالمواقف، لصهر هذا المزيج في بوتقة واحدة،
ثم توجيهه نحو استثمار رشيد لرأس المال البشري، والثقافي، والاجتماعي.
هذا الاستثمار لا
يسلم أسراره إلا لمن يمتلك البصيرة النافذة، والرؤية الثاقبة.
الفرق بين الإبداع
والابتكار.
الإبداع هو القدرة
على تصور شيء جديد، فريد، وغير تقليدي. أما الابتكار، فهو ترجمة هذا التصوّر إلى
فعل. فبينما الإبداع هو نتاج الفكر، فإن الابتكار هو نتاج العمل.
اللحظة التي تبدأ
فيها تنفيذ أفكارك، يُولد الابتكار.
كل اختراع هو
ابتكار، لكن ليس كل ابتكار اختراعًا.
فعلى سبيل المثال:
إذا أطلقت مؤسستك موقعًا إلكترونيًا يقدم خدمات غير مسبوقة لعملائك، فإن هذه الخدمات
تُعد ابتكارًا. أما الموقع بحد ذاته فلا يُعد كذلك، لأنه تقنية مستخدمة بالفعل.
كذلك، الكتاب
الورقي ليس ابتكارًا، ولكن آليات تسويقه وخدماته التفاعلية قد تكون كذلك.
وبرامج الحاسب
المصمّمة لإدارة الحكومة الإلكترونية ليست ابتكارًا بحد ذاتها، ولكن ذكاء مدخلاتها
ومخرجاتها قد يكون كذلك.
تقليص فجوة
الابتكار.
الإبداع هو عنصر
أساسي في منظومة الابتكار، لكنه وحده لا يكفي. فهناك حاجة إلى مناهج وأدوات تُسرّع
عملية اختراع المنتج الجديد وإضافة قيمة حقيقية له. وهنا يظهر مفهوم "فجوة الابتكار".
فجوة الابتكار هي:
المسافة بين قدرة
المؤسسة على تقديم قيمة جديدة ومميزة يقدّرها السوق، وبين سرعة المنافسين في طرح
منتجاتهم وخدماتهم المبتكرة.
هذه الفجوة قد
تتسع أو تضيق تبعًا لعوامل متعددة، منها:
- الانتشار العالمي للتقنيات المفتوحة،
- سهولة تبادل وتبني الأفكار الجديدة،
- الفرص المتجددة في الأسواق الناشئة،
- شيوع نماذج الابتكار المفتوح،
- والعمل التشاركي عبر فرق ديناميكية
متجددة، تربطها شبكات متشابكة وتقنيات متنوعة.
إن تقليص هذه
الفجوة يتطلب المرونة، والسرعة، والقدرة على استيعاب الجديد، والتعاون العابر
للحدود.
تأثير الابتكار
على الثقافة المؤسسية.
في ظل ما تشهده
الأسواق من تقلبات سريعة وتغيرات مستمرة، تحتاج المؤسسات إلى المرونة كعنصر
أساسي ليس فقط للنجاة، بل للنجاح. وهذه قيمة ابتكارية لا يمكن التغاضي عنها.
فالمرونة والسرعة
أصبحتا حجر الأساس في الابتكار الإداري الحديث. والمؤسسات التي استطاعت تجاوز الأزمة
المالية العالمية خلال السنوات الخمس الماضية، هي تلك التي تكيفت بسرعة مع
المتغيرات، بل تنبأت بها واستثمرتها في تطوير أدائها.
اليوم، العامل
الرئيس في السوق هو التغيير السريع والمتواتر، إذ أصبح التغيير هو الثابت
الوحيد في حياة الأمم. ولم تعد دورة حياة المنتج أو الخدمة تمتد لسنوات؛ بل أصبحت
فورية ولحظية، نتيجة تزايد عدد المنافسين القادرين على تقديم حلول بديلة واختراق
السوق.
وما تحتاجه
المؤسسات اليوم لتبقى في دائرة المنافسة هو:
السرعة في إضافة
قيمة جديدة، مبتكرة، وذات تأثير ملموس.
توقعات العملاء
والمستهلكين.
المستهلك هو الهدف
النهائي للابتكار. وهو اليوم يتغير كما تتغير السوق، إذ يمتلك خيالًا
واسعًا تغذّيه وفرة المعلومات، وتنوع الخيارات، وسهولة الوصول إلى بدائل متعددة.
لم يعد المستهلك
ينتظر المنتج فقط، بل يشارك في صنعه، ويعبّر عن آرائه قبل وأثناء وبعد
تجربة الاستخدام.
وباتت تدخلاته
ومشاركاته جزءًا من صياغة الخطط وتحديد الاتجاهات، بل وتقرير مصير المنتجات
والخدمات.
مستهلك اليوم
يتميّز بأنه:
- يتمتع بوفرة الخيارات: فقد مكّنه الاتصال الرقمي من التسوق
والمقارنة والتقييم من أي مكان، وفي أي وقت، مستفيدًا من آراء وتجارب الآخرين.
- يشارك في إعداد المنتج: سواء رغبت المؤسسات في إشراكه أم لا، فهو
يفرض حضوره، ويدفع نحو تلبية توقعاته، ويطالب بأن يُحترم رأيه، وتُعتمد
ملاحظاته، وتُضاف لمساته الخاصة.
- يبحث عن التجربة: لا يشتري فقط منتجًا أو خدمة، بل
يسعى وراء ما يضيف إلى هويته وطموحاته، ويثري حياته بتجربة ذات قيمة.
ولهذا، أصبح
الابتكار ضرورة حتمية، إذ إن مستوى تطور أي أمة يقاس بمدى قدرة مواطنيها على
إضافة قيمة مبتكرة في كل ما يمارسونه من أنشطة يومية.
ورغم أن لحظة
ولادة الفكرة الابتكارية قد تبدو عفوية ومفاجئة، فإن تحويل الابتكار إلى عملية
مستمرة لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال:
- التفكير المتواصل، والبحث المستمر، وتطبيق منهجيات الاستبصار.
عناصر الاستبصار
العشرة المؤدية إلى الابتكار.
1.
اللقطة (اللحظة التي تومض فيها الفكرة).
2.
البحث.
3.
الاستكشاف.
4.
الطموح.
5.
المجازفة.
6.
التواصل.
7.
دمج الأفكار المبدعة.
8.
تنفيذ الفكرة.
9.
إضفاء لمسة التفرد.
10.
استشراف الهدف من الابتكار.
هذه العناصر ليست
متتابعة أو منفصلة بالضرورة، بل تمثل محطات في رحلة الابتكار، التي تبدأ من
نقطة غير متوقعة، ثم تنحرف، وتعود، وتدور… لكنها لا تتوقف.
فما دام العالم في
حركة دائمة، سيظل في حاجة إلى ابتكارات متجددة ومتسارعة.
ديناميكية عناصر
الاستبصار.
ليس من الضروري –
على سبيل المثال – أن تبدأ عملية الابتكار بخطوة "الاستكشاف" ثم تتركها
جانبًا للانتقال إلى تنفيذ الخطوة التالية، بل يجب أن تكون خطوة الاستكشاف
مستمرة ومتزامنة مع غيرها، مثل البحث العميق الذي يسير معها بالتوازي.
كذلك، فإن عنصر الطموح
لا يقتصر على لحظة واحدة، بل نعود إليه مرارًا كلما تقدمنا في فهم الابتكار الذي
نسعى لتحقيقه.
كل خطوة من خطوات
هذه الرحلة ضرورية ومترابطة بما يليها، فهي عملية تراكمية ومتداخلة،
تشبه المهارات التي نكتسبها ونواصل صقلها بمرور الوقت.
نحن لا نتخلى عن
هذه المهارات، بل نُضيف إليها باستمرار كلما اكتسبنا مهارات جديدة.
الثقة: أساس
القيادة الناجحة.
في الوقت الذي
ينشغل فيه بعض المديرين بعقد الاجتماعات الطويلة التي لا تثمر سوى شعارات رنانة عن
"أهمية التغيير"، يظهر القائد صاحب البصيرة وهو يتفاعل بشكل
مباشر مع الجميع، ويطلب منهم اقتراح مجالات ومناهج التغيير في المؤسسة، ثم
يبدأ على الفور في تنفيذ التغيير.
قد يُشير هذا
القائد إلى أن بعض جوانب التطوير ستستغرق وقتًا أطول من غيرها، لكنه يؤكد التزامه،
ويعمل مع الفريق على تنفيذ المطلوب حتى النهاية.
الجوهر هنا هو تعزيز
الثقة، إذ يدرك القائد البصير أن بناء الثقة هو المدخل الحقيقي للتغيير
الفعّال.
سمات القائد الذي
يُلهم بالثقة:
1.
يعمل من أسفل إلى أعلى.
يسعى القائد الذكي
إلى كسب ثقة الجميع، من أصغر موظف إلى أعلى مسؤول.
وهو يُدرك أن
التغيير الحقيقي يبدأ من العاملين في الخطوط الأمامية، لأنهم الأكثر
اتصالًا بالواقع والأقرب إلى العملاء.
هؤلاء يشاركون حين
يشعرون بأنهم مرحب بهم ومؤثرون، وأن المؤسسة تقدر مدخلاتهم وتثق بآرائهم.
2.
يوضح كيف تتحقق الإيرادات.
يجعل العمليات
التشغيلية شفافة ومفهومة للجميع، بحيث يدرك كل موظف كيف تسير الأمور ماليًا
داخل المؤسسة، وما هو دوره المباشر في زيادة الإيرادات وتحقيق الأهداف.
3.
يوظف العواطف لإحداث التغيير.
يستخدم القائد رسائل
بسيطة وقوية، ويدعمها بأمثلة مقنعة لشرح أسباب التغيير وفوائده.
هو لا يكتفي
بالمنطق وحده، بل يخاطب القلوب والعقول معًا، ليجعل الجميع يؤمنون بالفكرة، لا فقط
يلتزمون بها.
4.
يحفّز الموظفين وينشر الإيجابية.
يخلق بيئة عمل
تملؤها الطاقة الإيجابية، ويشجع الفريق باستمرار.
يقودهم في حوار
مفتوح حول الإنجازات والتحديات، ويُشركهم في رسم الخطوات المستقبلية، مما
يعمّق الإحساس بالانتماء والمسؤولية.
2- البحث: الاستبصار يبدأ بطرح الأسئلة قبل
تقديم الحلول.
يعرف القائد
البصير جيدًا أن الابتكار الناجح يعني مواجهة التحديات والمصاعب مباشرة، مهما بدت
صعبة أو معقدة.
فالعقبات أمر
طبيعي ومتوقع في أي عمل، لكن مواجهتها تحتاج إلى عقل متفتح وروح فضولية
تطرح الأسئلة قبل أن تسعى وراء الحلول.
رحلة الابتكار
تتطلب بحثًا واستقصاءً فضوليًا، ينبع من قناعة بأننا – كأفراد وفرق عمل –
قادرون على تنمية مهاراتنا ومواهبنا خلال هذه الرحلة.
ومن المعطيات التي
يتبناها القائد البصير في التفكير والتخطيط:
- ابحث وأنت مؤمن بقدرتك على التطور.
اطرح الأسئلة وافتح جميع المسارات أمام ذهنك الفضولي. تتبّع الأفكار الإيجابية التي قد تؤدي إلى نتائج ذات قيمة حقيقية لك ولموظفيك ولمؤسستك.
يشمل البحث استكشاف الأماكن، العمليات، الأشخاص، والموارد التي ستحتاج إليها لتنفيذ الابتكار. - حافظ على فضولك!
الابتكار يولد من مواجهة التحديات بعقل منفتح، وروح فضولية. كل سؤال تطرحه قد يفتح لك بابًا جديدًا للحل أو الإبداع. - مارس "الاستكشاف التقديري".
وهو منهج إيجابي وفعّال لاستكشاف وتقدير القيمة الحقيقية لما تبحث عنه، ويقودك لاكتشاف نقاط القوة في موظفيك ومؤسستك.
هذا المنهج يعزز الإيجابية
ويزيد من شعور الموظفين بـ السعادة والرضا، وهو ما يرفع احتمالية تحقيق
نتائج أفضل، لأن العقول تعمل بكفاءة أعلى في أجواء محفزة.
3- الاستكشاف:
اعتزل الناس وليس العمل.
يُروى أن الموسيقي
الشهير "جوجونز" ألقى بصنجه الموسيقي عند قدمي زميله عازف الساكسفون
"تشارلي باركر"، في إشارة إلى عدم رضاه عن مستواه.
شعر
"باركر" بالإهانة، لكنه لم يستسلم، بل اعتزل الناس وذهب إلى جبال
"أوزارك"، حيث تمرن بجد حتى عاد أكثر إبداعًا وتألقًا، ليُصبح من
أعظم عازفي الجاز في التاريخ.
منذ تلك الحادثة،
أصبح "الاعتزال" يرمز إلى لحظة إعادة اكتشاف الذات والانطلاق نحو
آفاق جديدة.
دروس الاستكشاف في
الابتكار:
- الابتكار يبدأ بإلهام ويُغذيه الطموح.
لكن لا يكفي أن تكون لديك فكرة مبدعة، بل يجب اختبارها واستكشافها جيدًا قبل تنفيذها.
تحتاج هذه المرحلة إلى العمل الجاد والإصرار، فهي النقطة التي تُحَوّل فيها الفكرة من مجرد إلهام إلى مشروع فعلي. - قد يتشتت تركيزك أو يفتر حماسك أنت وفريقك.
وهنا يأتي دور القائد البصير في إعادة إشعال الحماسة وتنظيم الجهود.
كيف يقود القائد
مرحلة الاستكشاف؟
1.
بادر بتقديم ما هو جديد.
قادة الابتكار
يتبنون الأفكار التي يؤمنون بها شخصيًا، ويُظهرون شغفهم بها.
هذا الحماس ينعكس
على الفريق، ويُظهر للمؤسسة قدرتها على تقديم شيء فريد ومتميز.
2.
وفّر وقتًا كافيًا للتركيز.
على عكس الفكرة
الشائعة بأن المواعيد النهائية الضاغطة تُحفّز الإبداع، تشير الدراسات إلى أن
الإلحاح الزائد يؤدي إلى ضعف الإنتاجية.
ضغط الوقت قد
يُوقف تفكير الموظف بدلًا من تحفيزه. لذلك، من الضروري إتاحة الوقت للتركيز
والتفكير العميق من أجل الوصول إلى حلول ابتكارية فعالة.
4- الطموح: احلم حلمًا كبيرًا... فقد يتحقق!
تخيّل ما الذي قد
يحدث لو أن تركيز فريقك انصبّ بشكل أقل على زيادة الإيرادات، وأكثر على غرس
الطموح والانتماء داخل نفوس الموظفين.
تخيل لو أصبحت
طموحات الشركة هي نفسها طموحات الأفراد فيها… عندها سيتحول العمل من مجرد وظيفة،
إلى رسالة.
ما الذي يمكن أن
يحدث إذا ركّزتم على:
- التطوير الشخصي والمهني، وتأثيره على أداء الموظفين
وشعورهم بالرضا.
- صحة وسلامة الموظفين وأسرهم، ما يعزز الثقة والانتماء.
- قيم الفرد وسلامة سلوكه وتلاحمه المجتمعي.
- أثر أنشطة الشركة على البيئة والمجتمع.
في بيئة العمل
التي يُبنى فيها القرار على رؤية بعيدة المدى، يدرك القادة أن قرارات
اليوم تجاه الموظفين سيكون لها أثر عظيم غدًا على المؤسسة.
في هذه البيئة، لا
يكون النجاح محصورًا في الأرقام، بل في القيمة المستدامة التي تضيفها
المؤسسة لعملائها ولمجتمعها.
حين يشعر الموظف
بأن له دورًا مهمًا، فإنه يطمح بطبيعته إلى تحقيق الأفضل، ويصبح الابتكار
والدافعية والاستبصار جزءًا من شخصيته العملية.
وهكذا، يتحول طموح
الفريق إلى أهداف مشتركة يُؤمن بها الجميع ويسعون لتحقيقها معًا.
5- التحليق:
المخاطرة المحسوبة و"السلطنة" الابتكارية.
في هذه المرحلة، يتسارع
التعلم، وتتضاعف القدرة على الإبداع والابتكار.
يسمي البعض هذه
المرحلة بـ "التدفق"، حيث يندمج العقل تمامًا
في عملية الخلق والإبداع.
يُطلق عليها
الموسيقيون "السلطنة"، أما الرياضيون فيسمّونها "الانهماك
المطلق" أو "منطقة الحسم".
في هذه المرحلة:
- ينصبّ تركيز الفريق بالكامل على العمل.
- يتحول التحدي إلى طاقة.
- يصبح القائد جزءًا من الإيقاع الإبداعي
للفريق.
تسريع التعلم
الذكي:
نعتقد أحيانًا أن
التعلم يحتاج إلى وقت طويل، لكن الحقيقة أن ومضات التعلم تحدث بسرعة.
فالأمر لا يتعلق
بعدد الساعات التي نقضيها في التدريب، بل بـ التركيز والانطلاق والتمرين
"الهادف"، حيث يركز كل فرد على ما يجيده ويُبدع فيه.
التعلم التقليدي
ما زال مهمًا، لكن القائد البصير يدرك أهمية تسريع التعلم الموجّه نحو الابتكار.
لهذا يلجأ إلى
أدوات عملية:
- اطلب من موظفيك مساعدتك في اكتشاف مواطن
قوتك.
أحيانًا، يكون تصورنا عن أنفسنا قاصرًا، فنغفل عن مهارات أو فرص مهمة.
دع تقييم الآخرين يُضيء لك لحظات تألقك الحقيقي لتُدرك ما تبرع فيه فعلًا. - اسلك غير السالك، واطرق غير المطروق.
التكرار لا يولد الابتكار.
القائد البصير لا يخاف من التجريب، ويؤمن أن الإبداع يولد من المغامرة، حتى لو ترافقت مع بعض الفوضى.
من رحم التوتر تظهر الأفكار الجديدة، ومن بين الفوضى، يُولد النظام، ويتشكل الابتكار.
6- التفاعل:
تعاون كي تبتكر.
في النماذج
التقليدية للأعمال، يتم التعامل مع الابتكار كأنه حكر على قلة قليلة من الموظفين
ذوي البصائر والرؤى.
لكن الحقيقة أن كل
شخص يمكنه الابتكار إذا وُضع في البيئة المناسبة، في الفريق المناسب، وفي
الوقت المناسب.
حتى تُفعّل
التعاون الحقيقي، القائد البصير يجب أن:
- يطبق نموذج الإدارة الأفقية:
في "جوجل"، قرر القادة أن الهرمية تُبطئ الابتكار. فبنوا ثقافة أفقية تسمح لكل موظف أن يشعر وكأنه مسؤول فعليًا عن جزء من المشروع، ويتخذ قرارات بنفسه.
التمكين يولّد الالتزام، والشغف بالعمل ينتج أفكارًا عظيمة. - يركّز على العمليات، لا النتائج فقط:
التحفيز لا ينبغي أن يُبنى فقط على النتائج النهائية، بل يجب أن يشمل الطريق الذي سلكه الموظف لتحقيق هذه النتائج.
الحوار المستمر، التقييم الذاتي، وتعزيز التعاون داخل الفرق أهم من مجرد الأرقام النهائية. - يشارك رؤيته مع الفريق:
القادة المستبصرون لا يحتكرون الرؤية، بل يشاركونها بوضوح، لأن في كل مرة يعرضون فيها هذه الرؤية، هم يعيدون تأكيدها داخل أنفسهم، ويزرعونها في فريقهم.
الرؤية المشتركة تُلهم، وتُحرك الجميع كـ"خيول أصيلة" تنطلق نحو الهدف.
7- صهر
الأفكار في بوتقة واحدة.
تُعدّ لحظة دمج
الأفكار المتنوعة وتحويلها إلى فكرة جديدة متكاملة من أمتع وأهم مراحل الابتكار.
فهذه المرحلة تتطلب الجمع بين مختلف العقول والرؤى لتكوين حل إبداعي واحد يعكس
تنوع الفكر وإبداع الأفراد. في هذه المرحلة:
- التفاعل والتكامل بين الفرق: تبدأ الفرق من مختلف الأقسام داخل المؤسسة
في التفاعل فيما بينها، حيث يقوم كل فريق بالمشاركة بأفكاره وتجاربه الخاصة.
هذا التفاعل يؤدي إلى تكامل بين مهارات متنوعة، ويساهم في خلق بيئة عمل مليئة
بالإبداع.
- انصهار الأفكار في بوتقة واحدة: في هذه اللحظة، تنصهر الأفكار المختلفة
لتتداخل وتنتج حلولًا إبداعية فريدة. إنها لحظة تلاقي بين الابتكارات
الفردية، حيث يصبح من الممكن تحويل الفكرة إلى شيء جديد ومبهر من خلال
التعاون المشترك.
- الإحساس بالمشاركة الفاعلة: يشعر كل فرد في الفريق بأنه ساهم بأفكاره،
وأنه جزء من شيء أكبر منه. هذه اللحظة من الانصهار بين الأفكار تعزز روح
الفريق، وتحث الأفراد على الاستمرار في الإبداع والمشاركة.
القائد البصير
يدرك أهمية هذه اللحظة، ويشجّع على هذا التفاعل والتكامل بين الأفراد. فهو لا يفرض
أفكاره، بل يدعو الجميع للمشاركة في عملية الابتكار، لأن الفكرة العظيمة قد تأتي
من أي مكان، ومن أي شخص. وكلما زاد التفاعل الأفقي داخل المؤسسة، زادت فرص الخروج
بنتائج تفوق التوقعات.
8- التنفيذ:
ابدأ بالعمل ولا تفقد الأمل!
التنفيذ هو
المرحلة التي تفصل بين "الحلم" و"الواقع"، بين
"الفكرة" و"الابتكار". إنها اللحظة التي تتحول فيها الأفكار
المجردة إلى أعمال ملموسة ونتائج قابلة للقياس. في هذه المرحلة:
- التجارب والتعلم من الأخطاء: من الضروري أن تكون التجارب كثيرة ومتنوعة
في مرحلة التنفيذ. فكل تجربة، مهما كانت نتائجها، تحمل دروسًا ثمينة. يجب أن
يكون القائد على دراية بأن الفشل جزء من العملية، وأنه لا يجب أن يخشى
التجريب والاختبار المستمر.
- الاحتفاء بالفشل كما الاحتفاء بالنجاح: القائد البصير لا يرى في الفشل نهاية
الطريق، بل يعتبره محطة مهمة في رحلة الابتكار. فهو يحتفي بالفشل تمامًا كما
يحتفي بالنجاح، لأن الفشل في نظره هو المعمل الذي يمر به الابتكار ليكتسب
القوة والخبرة.
- التركيز على التنفيذ لا على الخوف من
الأخطاء: العقوبة في هذه المرحلة ليست على
الخطأ أو الفشل، بل على الكسل والتباطؤ في تنفيذ الأفكار. التنفيذ السريع
والمستمر هو الطريق للوصول إلى الابتكار الحقيقي.
لضمان تنفيذ ناجح،
هناك بعض المبادئ الأساسية:
- احذر الغرور: الثقة الزائدة قد تتحول إلى عائق،
فهي قد تجعلك ترفض الأفكار الأخرى أو تتجاهل التحديات. القائد الحقيقي هو من
يصغي لفريقه، ويطلب رأي الآخرين بصدق واهتمام. لا مكان للغرور في بيئة
الابتكار؛ يجب أن تكون مرنًا في استماعك وآرائك.
- فكر بمرونة وواقعية: عند اتخاذ القرارات، يجب التفكير في
جميع السيناريوهات الممكنة. وضع أفضل وأسوأ الحالات في الحسبان يساعد على
التوازن بين الطموحات والواقع، وبالتالي يمكنك اتخاذ قرارات أكثر حكمة.
9- ضع
بصمتك: ابتكارك هو أنت.
النجاح ليس في
البداية أو الوصول السريع، بل في التميّز والاستمرارية. كثير من الشركات الكبرى،
مثل "فيسبوك" و"أبل"، دخلت السوق بعد غيرها، لكنها أبهرت
العالم لأنها لم تُكرر النموذج الموجود، بل أبدعت وابتكرت شيئًا جديدًا.
كيف تترك بصمتك
الخاصة؟
- لا تقلّد: الابتكار ليس مجرد تقليد للآخرين،
بل هو تقديم حلولك الخاصة التي تعكس فهمك العميق لاحتياجات عملائك. عندما
تركز على ما يجعلك مميزًا، تصبح الفكرة أكثر قوة ووضوحًا.
- أبدع شيئًا لا يُقلَّد: الابتكارات الحقيقية هي التي يصعب
تقليدها. من خلال تطوير منتجات أو خدمات لا يمكن تكرارها بسهولة، تخلق مكانة
فريدة لنفسك في السوق. هذه البصمة تكون أكثر استدامة وتظل مميزة على المدى
الطويل.
- وسّع قاعدة عملائك: الابتكار الحقيقي يتطلب فهمًا
عميقًا لاحتياجات العملاء، وهذه الفهم هو الذي يوصلك إلى حلول مبتكرة. كما أن
الابتكار الناجح يعكس قدرة الشركة على الاستماع إلى عملائها واحترام أصواتهم
ومتطلباتهم.
10- هدف
الابتكار: الخلود المؤسسي.
الابتكار ليس
هدفًا قصير المدى، بل هو عملية مستمرة تهدف إلى تعزيز قدرة المؤسسة على الاستمرار
والتأثير على المدى الطويل. الابتكار يجب أن يسهم في أن تبقى المؤسسة حيّة، مؤثرة،
ومُلهمة للأجيال القادمة. كيف يتحقق ذلك؟
- مؤسسة ذات موظفين مبادرين ومبدعين: الابتكار يبدأ من الموظفين. عندما يكون
الموظفون مبادرين ومبدعين، تكون المؤسسة في طريقها لخلق بيئة عمل متميزة.
هؤلاء الموظفون هم الذين يمكنهم تطوير أفكار جديدة ومواجهة التحديات بطرق
مبتكرة.
- قائد بصير: القائد الذي يتمتع بالبصيرة يمكنه
زرع هدف نبيل في قلب الفريق. هذا الهدف يجب أن يتجاوز الربح المادي ويستهدف
تحقيق أثر إيجابي طويل الأمد على المجتمع والصناعة.
- ثقافة جماعية مؤمنة بالابتكار: الابتكار لا يأتي من فرد واحد فقط، بل من ثقافة جماعية تتبنى الابتكار في كل جانب من جوانب العمل. يجب أن يكون هناك إيمان بأن لكل فرد في الفريق، مهما كان دوره، تأثيرًا حقيقيًا في نجاح المؤسسة.
✨ النهاية: من النية إلى الهدف.
الرحلة تبدأ من:
- النية:
"أنا
عايز أبتكر." هذه هي نقطة البداية، حيث تكون الرغبة في الابتكار هي
المحفز الأول.
- إلى الهدف:
"أنا
أخلق قيمة حقيقية تدوم وتلهم." الهدف النهائي هو تقديم شيء ذو قيمة
حقيقية ومستدامة، يساهم في تقدم المؤسسة ويُلهم الأجيال القادمة.
تمر هذه الرحلة
بعشر خطوات أساسية، تقودها البصيرة، ويلهمها الشغف، ويدفعها العمل الجماعي.
الابتكار ليس مجرد فكرة عابرة، بل هو عملية طويلة تتطلب الالتزام والاستمرارية.
ترسيخ الثقافة
المؤسسية.
يُعد وجود ثقافة
مؤسسية تنطوي على منظومة من القيم المشتركة، أساسًا لتوفير بيئة عمل مناسبة
للإبداع ومن ثم للابتكار. تؤطّر هذه الثقافة أسس السلوكيات، والسياسات، والمهارات،
والحقوق، والواجبات المتوقعة من العاملين والمترتبة عليهم. وقد يشمل هذا أيضًا
أنماط التواصل والتعاون بين الموظفين، والعلاقات في إدارة المشروعات، وكذلك أساليب
التعامل مع المواقف الطارئة والمفاجآت غير المتوقعة.
فعندما يواجه
الموظفون عقبات أو مواقف غامضة، تساعدهم القيم المشتركة، واستيعابهم لأهداف
مؤسساتهم، على استغلال طاقاتهم وإمكاناتهم لمواجهتها والإبداع في التعامل معها.
كما تشجع القيم المشتركة الموظفين على اتخاذ القرارات الصحيحة، والتحلي بروح
المبادرة والمخاطرة.
ولهذا السبب،
يعتبر خبراء السلوك التنظيمي أخلاق العمل مقياسًا دقيقًا لثروات الشعوب. وبها فقط
تستطيع أن تحدد مقدار ومستقبل ثروتك، وثروة مؤسستك، وبلدك.
فما هو ضمني
واعتباري، أعلى وأقوى وأولى مما هو رسمي وإجباري. صحيح أن ما نكتبه في سطور
رسائلنا، ورؤانا، وتقاريرنا، وأدلة إجراءاتنا، مهم؛ لكن ما لا نقوله، وما نتركه
ليوحي وينطق ما بين السطور، هو الأهم.
التمتع بعقلية ابتكارية.
تجاهل الاتجاهات السائدة، وواصل الابتكار. ففي عالمنا الموصوف بسرعة
التغير، يصبح التفاؤل والإصرار على الابتكار هما سر البقاء والصمود، ثم التفوق
والازدهار. إذ يقضي التغيير والاضطراب على الأفكار التقليدية، ويمهدان الطريق
لظهور الأفكار والمبادرات الإبداعية.
على المؤسسات أن تواظب على تقييم أساليبها وأنظمتها، لتتمكن من مواصلة
التقدم، والتحلي بروح المجازفة. فالنسبة القليلة من الأساليب وأنظمة العمل
التقليدية القديمة هي التي ستكتب لها النجاة والتقدم عبر عقود القرن الحادي
والعشرين. أما الأنظمة البالية، بغض النظر عن نجاحها في الماضي، فلا بد من تجاهلها
أو إعادة صياغتها وتطويرها على أقل تقدير، مع ابتكار نظم جديدة تواكب ما تراه
شاهداً على التحديث من حكومات ذكية ونظم إدارة إلكترونية.
ومن هنا، على القادة المبتكرين أن يواكبوا وينفذوا كل هذا وهم يضعون
قيم مؤسساتهم الجوهرية وثقافتها التنظيمية نصب أعينهم، ويعتبرونها البوصلة
والرادار.
كن مستعدًا للإبداع.
لأننا نعمل في بيئات عمل صاعدة، فإن أمامنا فرصًا واعدة للمنافسة والنمو. فلم تعد هناك طريقة واحدة صحيحة للعمل، بل هناك العديد من الخيارات المتنوعة. ولهذا، وبناءً على كل ما سبق من أسباب، يجب أن يتمتع القائد البصير ذو الرؤية الثاقبة بالمهارات والقدرات الذهنية والابتكارية الضرورية، ليمكن مؤسسته من انتهاز الفرص السانحة، والإبداع في اتخاذ القرارات الصائبة.
الخاتمة:
وها هنا تكمن الحقيقة الكبرى: أن النجاح المستدام لا يأتي من إتباع
الطرق الآمنة أو الاعتماد على الأنظمة التقليدية التي قد تكون قد حققت بعض
النجاحات في الماضي. بل يأتي من الجرأة على التفكير خارج الصندوق، ومن التجرؤ على
الفشل والتعلم منه، ليكون بداية لابتكار شيء جديد لا يمكن تقليده. القائد المبتكر
هو ذلك الذي يتسم بالرؤية الثاقبة والقدرة على تكييف مؤسسته مع مستجدات العصر،
ويجعل من الابتكار ثقافة يومية تهدف إلى تقديم قيمة حقيقية للمجتمع والعملاء على
حد سواء. فلا تنتظروا التغيير ليحدث، بل كونوا أنتم صُنَّاعه.
تعليقات
إرسال تعليق