لكن الأمان المطلق وهمي، يُبتغي ولكنه لا يُنال أبدا. وابتغاؤه يحط من قيمة أولئك الذين يسعون وراءه إضافة إلى أي أمة تصبح معًرفة به؛ كانت هذه أهم الكلمات التي حواها كتاب لا مكان للاختباء للمحامي والصحفي جلين جرينوالد الذي عُرف بكتاباته المعارضة لسياسات التنصت والمراقبة الغير القانونية التي انتهجتها الولايات المتحدة ووكالاتها الاستخباراتية بعد الحادي عشر من سبتمبر بأمر مباشر من الرئيس الأمريكي وقتها جورج بوش.
جرينوالد، والذي أمضي جزءًا من حياته محاميا ثم مدونًا فصحفيا في الجارديان كشف عن أكذوبة الحرية والخصوصية التي لطالما تشدقت بها الولايات المتحدة وشركات الإنترنت الكبري.
ففي الجزء الأول من كتابه يشرح جرينوالد اتصال إدوارد سنودن به وكشفه عن الاختراقات الأمنية المتعددة التي قامت بها وكالة الأمن القومي NSA بزعم حماية المواطنين الأمريكيين من مخاطر الإرهاب
- من هو إدوارد سنودن؟
في 2009 بدأ سنودن في التفكير في تسريب معلومات تفضح أنشطة الوكالة ولكنه تراجع قليلًا لظنه أن انتخاب أوباما قد يغير الأمور وأتضح له لاحقًا أن اوباما زاد من عمليات المراقبة وضاعف التمويل أكثر كي تستمر الوكالة وتتوسع في عملياتها.
- إدوارد سنودين
الأمر السري من محكمة FISA (محكمة قانون مراقبة الاستخبارات الخارجية السرية) الذي يُرغم فيريزون، وهي إحدى أكبر شركات الهواتف في أمريكا على تسليم جميع السجلات الهاتفية الخاصة بجميع الأمريكيين إلى NSA.
برنامج “مخبر بلا حدود – Limitless informant” وهو برنامج تابع NSA مصمم لقياس كمية أنشطة المراقبة اليومية التي كانت الوكالة تقوم بها في فبراير عام 2013 بيّنت أحدي الوثائق ان الوكالة جمعت أكثر من ثلاث مليارات عينة من بيانات الاتصالات من أنظمة الاتصالات الأمريكية وحدها.
- نماذج لبرامج أخرى تابعة للوكالة:
متعلق بجمع البيانات من مخدمات أكبر شركات الانترنت في العالم بشكل مباشر.
Project bullrun
جهد مشترك بين NSA ونظيرتها البريطانية GCHQ” “مركز الاتصالات الحكومية” للتغلب على انواع التشفير الشائعة والمستخدمة لحماية التعاملات على الانترنت.
Egotistical giraffe
يستهدف المستعرض المعني بتمكين السرية في تصفح الشبكة
Muscular
اداة لغزو الشبكات الخاصة في جوجل وياهو.
TARMAC
برنامج طوره مركز الاتصالات الحكومية البريطاني لاعتراض اتصالات الاقمار الصناعية.
Tempora
وهو برنامج طوره مركز الاتصالات الحكومية البريطاني، ويمتلك البرنامج القدرة على مراقبة كميات ضخمة من البيانات المأخوذة من كابلات الالياف البصرية لمدة تصل الي 30 يوما كي يكون بالإمكان تحليلها.
X-KEYSCORE
هو برنامج رئيسي تستخدمه NSA لجمع كافة المعلومات حول ما يفعله المستخدم العادي على الإنترنت، بما فيه ذلك محتوي الايميلات، البحث في جوجل، أسماء المواقع التي تم زيارتها ووقت حدوثها، تواريخ البحث والمحادثات عبر الإنترنت.
من اهم وظائف هذا البرنامج قيمةً هو مراقبة الانشطة على وسائل التواصل الاجتماعي كفيسبوك وتويتر، فيكفي لأحد المحللين إدخال اسم المستخدم المُراد مراقبته إضافة إلى المجال الزمني كي يستعرض كل المعلومات المتعلقة بهذا المستخدم.
Thieving Mgpie
وهو برنامج طوره GCHQ يستهدف الاتصالات التي تجري على متن الطائرات في الجو.
#تتضمن البيانات التفصيلية الهاتفية التي تتعقبها الوكالة معلومات شاملة حول وجهة الاتصالات بما في ذلك، رقما هاتفي المتصل و المتصل به، رقم هوية مشترك الهاتف المحمول الدولية IMSI و رقم معدات محطة الموبايل الدولية IMEI و ارقام بطاقة الاتصال الهاتفي و وقت الاتصال و مدته.
تعتمد NSA مبدأ “تجميع كل شيء – “Collect it all”، ففي 2012 كانت الوكالة تعالج أكثر من 20 مليار اتصال (من الانترنت والهاتف معا) من حول العالم يوميا.
لا يقتصر الأمر على ابتكار برمجيات تسمح بالتنصت فقط، ففي 2010 وصف رئيس قسم تطوير الوصول والهدف في NSA ان الوكالة تستقبل موجهات ومخدمات حاسوبية مرسلة من الولايات المتحدة الي زبائنها حول العالم..
ثم تزرع فيها الوكالة أدوات مراقبة سرية – beacon وتعيد تغليف الأجهزة مع ختم المصنع وبهذا تكسب إمكانية الوصول الي شبكات بأكملها وجميع مستخدميها.
من اجل جمع هذه الكمية الهائلة من المعلومات تعتمد NSA على عدد من الوسائل تتضمن التنصت المباشر الي خطوط الالياف البصرية (بما فيها الكابلات تحت الماء) المستخدمة لنقل الاتصالات الدولية وتوجيه الرسائل الي مستودعات بيانات NSA عند عبورها النظام الامريكي، الاقمار الصناعية، انظمة الهواتف المحلية والاجنبية، والتعاون مع وكالات استخباراتية في بلدان اخري.
تقوم NSA ايضا بزرع برامج خبيثة – Malware تُدعي “Quintom insertion”، وظيفتها الاساسية هي رؤية كل مفتاح يُنقر وكل شاشة تُعرض، يمتلك قسم الوصول المخصّص “TAO” كامل السيطرة على تلك العملية وتمثل تلك الوحدة قسم القرصنة الخاصة.
تمتلك NSA عددا كبيرا من الشراكات مع شركات القطاع الخاص، كما ان عددا من وظائفها الجوهرية يقوم بها متعاقدون خارجيون، توظف الوكالة نفسها ما يقرب من ثلاثين ألف شخص وتتعاقد مع ستين ألف موظف من شركات خاصة وتُدار هذه العمليات من قبل وحدة سرية تُدعي وحدة عمليات الموارد الخاصة SSO.
هذا التوسع البالغ في شدته من جانب NSA لم يكن موجودا قبل تولي الجنرال” ألكسندر كيث” مسؤوليتها لمدة ثماني سنوات لتصبح وحشا مطلق السراح دون ادني قيد، بدأ ألكسندر مهمته من العراق حيث ركز على جمع كل تفصيله صغيرة..
كل رسالة نصية وكل اتصال هاتفي وكل ايميل عراقي يمكن فحصه، ثم ما لبث ان طبق اسلوبه على الشعب الامريكي نفسه.
كون “ألكسندر” حلفا يُدعي “العيون الخمس” مع أربع دول هم: بريطانيا، كندا، استراليا، نيوزيلندا لتبادل المعلومات فيما بينهم.
الملفات التي سربها سنودن تنقسم الي قسمين..
الاول يتم تعليمه برمز “FVEY” اي يُسمَح بتوزيعها فقط لدول المراقبة الاربعة.
الثاني يتم تعليمه برمز “NOFORN” وهي ملفات خاصة بالولايات المتحدة فقط.
وعلى الرغم من المراقبة الواسعة التي سعت إليها NSA فعملياتها لم تمنع تفجير ماراثون بوسطن عام 2012، ولم تمنع الهجمات من لندن إلى مدريد مما يثبت عدم جدواه بالشكل الذي تدعيه الوكالة.
بالطبع بعد صدور سلسلة المقالات الكاشفة في الجارديان انفجرت حملة إعلامية زاعقة ضد سنودن تتهمه بالخيانة وبتسريب تلك الوثائق إلى الصين وروسيا وغيرها من الاتهامات التي كالها مدّعي الوطنية الزائفة.
أما جرينوالد فطالب البعض بمحاكمته منهم زملاؤه الصحفيين والاعلاميين في قنبلة تنسف مواد الدستور الأمريكي التي تكفل الحرية للصحفيين لنشر أسرار حكومية وتهدم الصحافة الاستقصائية من أساسها مع ازدياد نشاط أدارة أوباما ضد الصحفيين الكاشفين لأخطاء رهيبة في سياساته.
أما رد الفعل في بريطانيا فكان أعنف ضد الجارديان، ففي بريطانيا لا توجد موانع دستورية تحول دون اغلاق الصحف أو إجبارها على عدم نشر مواضيع معينة، بعد نشر المقالات بأيام استقبلت الجارديان عددا من رجال الأمن السريين وأجبروا الصحيفة على تدمير ما تملكه من وثائق مخزنة على أقراص صلبة واحتجزوا “ديفيد ميراندا”، أحد العاملين على القصة في مطار هيثرو بتهمة “الإرهاب” وأُطلق سراحه بعدها بساعات في محاولة لتخويف جرينوالد والجارديان معا.
الكتاب بتفاصيله يمثّل إضافة جيدة للقارئ ويترك إحساسًا بالضآلة في مقدمته لدي مواجهة أجهزة عاتية كهذه، وهذا هو ما أراده سنودن تحديدا، أن يُعلمّنا أننا لسنا بضعفاء، وانه ربما في يوم من الأيام قد ننال الحرية الحقيقية، حيث لا يوجد “الأخ الأكبر” ليراقب كل ما نراه ونفعله، لتُتاح لنا حرية الفكر والفعل والإبداع.
تعليقات
إرسال تعليق