كيف تجعل فكرتك تلتصق في أذهان الآخرين؟ لماذا تنتشر الأكاذيب وقصص المؤامرات والمخادعين، بينما يفشل كثير من المفكرين والمعلمين والقادة لإيصال أفكارهم؟ لماذا تصمد وترسخ وتنجح وتلتصق بعض الأفكار في أذهاننا بينما تموت أفكار أخرى، وتخرج بمجرد الدخول؟ لماذا تبقى بعض القصص معنا مدى الحياة، في حين تختفي الأخرى في غضون لحظات؟ وهي كلها تساؤلات هامة، حاول المؤلفان تشيب هيث ودان هيث تقديم إجابات منطقية لها ضمن صفحات كتابهما الرائع صنع ليلتصق: لماذا تنجو بعض الأفكار ويموت البعض الآخر.
“يجوب الكذب حول الأرض إلى أن تلبس الحقيقة حذاءها”. _ مارك توين، كاتب ساخر، من أشهر الكُتاب الأمريكيين.
يتحدث كتاب صنع ليلتصق حول تساؤل: كيف تجعل فكرتك تلتصق في أذهان الآخرين؟ وكيفية تصميم الأفكار التي سيتذكرها الناس ويتصرفون على أساسها، عبر تقديم بعض المبادئ الأساسية والأساليب المجرّبة لجعل تلك الأفكار تصمد، بعيدًا عن الطُرق التقليدية، مما يساعد على نجاح الأفكار وازدهارها.
بالإضافة إلى طرح بعض التجارب والقصص والأمثلة الواقعية التي تساعد على تفسير لماذا تبقى بعض القصص معنا لمدى الحياة في حين تختفي الأخريات في غضون لحظات بصورة جذابة وممتعة.
ويسرد المؤلفان في كتاب صنع ليلتصق عدد من القصص ودراسات الحالة، وتتراوح هذه القصص من الأساطير الحضرية، إلى قصص الأعمال، إلى قصص شخصية ملهمة، كقصة العالم الفائز بجائزة نوبل، والذي شرب كأسًا من البكتيريا؛ ليثبت نظريته في علاج قرحة المعدة، والمؤسسات الخيرية التي تستغل أعمال الأم تريزا، والعرض الذي يقدمه أستاذ المدرسة الابتدائية لإزالة الأفكار المسبقة من أذهان تلاميذه.
حيث يواصل المؤلفان التعمق في طرح قانون الالتصاق، والتي سبق وأن نشرها– مالكوم جلادويل في كتابه– نقطة التحول، وهي الفكرة التي تسعى إلى شرح ما يجعل فكرة أو مفهوم ما تلتصق بالأذهان فلا تُنسى بسهولة وتبقى مثيرة للاهتمام طويلًا.
فمحتوى الفكرة وطريقة عرضها تلعب دورًا أساسيًا في انتشارها. من السهولة إيصال الفكرة للآخرين. لكن كيف تجعلهم يتذكرونها؟ كيف تجعلها ترسخ في أذهانهم؟ كيف تجعلهم يؤمنون بها؟ هذا هو التحدي الحقيقي، وهذا هو لب قانون الالتصاق.
فسواء اقتنعت أم لا فالجميع هم رجال مبيعات – الموظف الحكومي، رائد الأعمال، صاحب المشاريع، المسوق، الصحفي، الكُتّاب، عالم، طالب، أستاذ جامعي، مدير تنفيذي، حتى الطبيب – فعندما یخبرك الطبيب بضرورة تغییر نمط حیاتك، إذا کنت ترید أن تکون بكامل لياقتك عندما تکون بعمر السبعين، فإنّ التأثیر یعتمد بقوة علی مدى صلابة عرضه للفكرة من الأساس، بمعنى كيف سيبيع لك فكرة نمط الحياة الصحي؟
فنجد أنّ أي عضو تنفيذي أو حتى طالب جامعي يقف على منصة العرض، ويحدق في جمهوره المُتلقي ليشرح فكرة ما، سيكون لديه هدف واحد: الحصول على تركيز المجموعة لتذكر فكرته، وسيسأل نفسه هل فكرته قابلة لأن يتذكرها هؤلاء المُتلقين بعد عشرين عامًا من الآن.
وبالعودة إلى عدة التساؤلات التي طرحناها في البداية، كيف تجعل فكرتك تلتصق في أذهان الآخرين؟ الإجابة كما وردت بصفحات الكتاب تعود لحروف S.U.C.C.E.S، والتي يمكن اعتبارها بمثابة أداة قوية لبيع فكرتك.
- اجعل فكرتك بسيطة.
“إذا لم تستطع شرح فكرتك لطفل 6 أعوام فأنت نفسك لم تفهمها بعد”.
الأفكار البسيطة تلفت الانتباه أكثر من المعقدة. البساطة هي أن تجعل الأمور أسهل فهمًا بعيدًا عن التعقيد، إنَّ وجود فكرة لا يعني بالضرورة أن تكون معقدة، أو تتطلب تفكيرًا مبالغًا فيه، الأفكار المُعقدة تفشل في إيصال جوهرها إلى المُتلقي، لذلك يجب أن تكون فكرتك بسيطة، وتعكس الجوهر الحقيقي لها، وتعطي معنى عميقًا يفهمه الجميع في آن واحد، فالأفكار البسيطة أيضًا قد تحقق نجاحًا باهرًا، فعندما تولد الفكرة من رحم البساطة فكُن على يقين بأنّها فكرة عظيمة.
تذكر حينما ابتكر جان أكتوم تطبيق واتساب، كان هدفه الأساسي والجوهري إيجاد وسيلة سهلة للتواصل مع والده في أوكرانيا دون اللجوء للمكالمات باهظة الثمن، فتحول ابتكاره الآن إلى تطبيق يستخدمه أكثر من مليار شخص حول العالم، جميعنا لا نختلف على جمال البساطة رغم بعدنا عنها في كثير من الأحيان، ولإيصال فكرة ما بكامل معناها إلى المُتلقي يجب أن تكتسي بالبساطة؛ حتى يفهمها بكل يسر، لا أن تُملأ بشيء من الصعوبة، فيشتت عقل متلقي الفكرة ثم لا يفهمها، ومن ثم لا يتحقق الهدف المرجو من طرح هذه الفكرة.
وليس من السهل أن تقدم ما هو بسيطًا، ولكن الأكيد إذا استطعت ذلك فالنتيجة حتمًا ستكون رائعة. لذا، تحتاج إلى تحديد أولويات أفكارك. إنّ تقديم 10 حجج للمُتلقي أيًا كان نوعه محكوم عليه بالفشل؛ لأنّ الناس لن يتمكنوا من تذكرهم جميعًا. كن على درجة عالية من التحديد والتمسك بجوهر أي فكرة.
- اجعل فكرتك غير متوقعة.
هُناك العشرات من محلات البرجر في كل مدينة أمريكية، فكيف يمكنك كـ محل لبيع البرجر أن تبرز وسط كُل هذا الكم الضخم؟ نستطيع القول أنّ مطعم السكتة القلبية قد فعلها، وكسر جميع أنماط السوق التقليدية، واستخدامها كعامل للتميز ولفت الانتباه، وبالتالي الحصول حصة من السوق.
وذلك عبر تقديم أصناف ذات سعرات حرارية عالية بعكس الاتجاه السائد مؤخرًا بالاهتمام بمطاعم الوجبات السريعة، مع أسماء استفزازية عمدًا، كـ اسم المطعم نفسه، وأسماء أصناف البرجر، وطريقة التغليف، كما يفرض على زبائن المحل ارتداء ملابس نزلاء المستشفيات، والجلوس على كراسي متحركة، أمّا قائمة الطعام فتعرض الأطباق مع الأدوات الطبية، وبالنسبة للعاملين فيرتدون زي الممرضين بينما يرتدي مديرهم زي الطبيب إلى جانب نادلات في ملابس مثيرة جنسيًا، واعتمادهم مفهوم– الإباحة الغذائية.
- اجعل فكرتك ملموسة.
حاول أن تجعل فكرتك مجسمة حتى يسهل الوصول إليها. اعطِ أدلة حقيقة على ما تقوله، حتى لا يكون هناك شك لدى من تريد إقناعه بفكرتك، وربما يعنى ذلك وضع نموذج مجسم واستخدام أمثلة ورسومات توضيحية ومعلومات حسية.
ولعل أفضل مثال على ذلك، هو خطاب الرئيس الأمريكي جون كينيدي أمام الكونجرس بالخامس والعشرين من مايو عام 1961، حينما أعلن جون كيندي بعد انتخابه بوقت وجيز أنّه قرر أن يفوز في سباق الفضاء على السوفيت، فأطلق وعده الشهير بالوصول للقمر خلال عقد من الزمان، فقال:
“إنّني أؤمن بأنّ هذه الأمة ينبغي أن تعهد لنفسها – قبل انتهاء هذا العقد – بتحقيق هدف هبوط إنسان على القمر وإعادته سالمًا إلى الأرض”.
ماذا نفعل؟ هبوط رجل على سطح القمر.
متى نقوم بذلك؟ في غضون عقد من الزمان.
هذه فكرة جريئة وملموسة، فـ لو قال حينها أنّه يريد أن يصعد الناس إلى الفضاء في يوم من الأيام، لما كان ملموسًا، ففكرة الذهاب إلى القمر عالقة في أذهان الجميع، غير أنّه حافظ على الهدف وحدد لتنفيذه فترة زمنية، وعهد لوكالة NASA تحقيقه.
وفي العشرين من يوليو عام 1969، كجزء من مهمة أبولو 11، أصبح– نيل أرمسترونج أول من ترشح لتحقيق هذا الحلم التاريخي.
- احرص على مصداقية فكرتك.
وغالبًا ما نلخص مفهوم الشخص ذي المصداقية والذي يتمتع بتأثير شخصي في العبارة التالية: “ما تراه تناله“، والمثير للعجب هو أنّ أسهل طريقة لأن تكون ذا مصداقية أن تكون نفسك.
يقول جورج بيرنز:
“إذا كان باستطاعتك التظاهر بالأمر فبإمكانك تحقيقه “.
ومن الممكن تطبيق ما قاله على المصداقية، رغم أنّ المصداقية المصطنعة أكثر صعوبة من أن تكون نفسك بكل بساطة.
ولكي تلتصق فكرتك بأذهان الآخرين عليك أن تضيف لها بُعد من المصداقية، وأن تجعلها قابلة للتصديق بعيدًا عن الخيال والكذب والزيف.
واعلم أنّ مصداقية الفكرة لا تستمد من مكانة قائلها، وإنّما من عمق دلالتها وحجيتها. لذا، ابحث عن طرق لمساعدة الأشخاص على اختبار مدى قابلية فكرتك لأن تكون مصداقية.
- اجعل فكرتك عاطفية.
لذلك يجب دراسة المُتلقي، ومعرفة ما هي أكثر المشاعر التي يتشاركها، وإدراج بعض الأمور التي تثير المشاعر للفكرة، ولا يوجد ضرر من استخدام بعض المشاعر السلبية يمكنك استخدام العواطف والمشاعر الإيجابية في شرح الفكرة، مثل: الرومانسية، الحنين، العطف على الصغار، الشفقة، المرح، الإثارة، أو استخدام العواطف السلبية، مثل: الخوف، الذنب، الكراهية، الندم.
مثلًا منتجات الأطفال ترتبط بعاطفة الأمومة؛ لكي تؤثر على مشاعر الأم، وتشتري هذه المنتجات لأطفالها.
- حول فكرتك إلى قصة.
“تشكل الأقاويل والقصص الشخصية حوالي 65% من محادثاتنا اليوميّة”.
يفضل العديد من الأفراد الاستماع للقصص بدلًا من الاستماع لمعلومات مُجردة، ومن خلال النظر لأكثر القصص الشعبية، تجدها منتشرة بشكل كبير ولا يمضي يوم دون ذكرها، وعليه فربط فكرتك بقصة تُروى سيساعد كثيرًا في التصاقها بذهن الآخرين، ولذلك يجب ربط الفكرة بأحدى القصص، أو ابتكار بعض القصص التي تحمل جوهر هذه الفكرة.
تركز Nescafé دائمًا في الحملات الدعائية لها على سرد قصص نجاح الأشخاص الذين يتناولون القهوة سريعة الذوبان من Nescafé والتي تمدهم بالنشاط والحيوية.
وختاما: فإن قصتك هي ما يصنع مصير فكرتك، ويجدر بك الآن أن تركز جهودك لصنع قصة رائعة، يهتم بها كل من سمع مقدمتها.
وهكذا نجد أن السر في انتشار وازدهار أي فكرة وبالتالي التصاقها بأذهان الآخرين، هو تداولها بينهم كونها تتصف بالبساطة وغير متوقعة، وعاطفية وملموسة لحد كبير ولها مصداقية كما أنّها قد تكون مدعومة بالقصص بشكل كبير، ولا يشترط توافر جميع هذه العناصر الستة معًا، يكفي توافر بعضها.
تعليقات
إرسال تعليق