هذه ورد؛ فتاة من أسرة ثرية، تفتخر دائماً بنسبها وثرواتها وحتى بمنصبها في شركة أبيها؛ وهذا على شريك حياتها، موظف في نفس الشركة ومن أسرة متوسطة؛ لكن الحب جمع بينهما، يشتكي على دائماً أنه لم يستطع الوصول إلى نفس مكانة زوجته وراتبه أيضاً لم يصل إلى راتبها؛ لذا يضطر أن يعمل عملاً آخر ليلاً.
أقنع على زوجته أن له مكانة كبيرة في عمله الآخر؛ يخشى أن يقول أمام أحد أنه موظف في شركة أو إن دخل زوجته أعلى من دخله، وسلوكيات كثيرة أخرى يسلكها على أو غيره.. لأنهم غير راضين عن أنفسهم ودائما ما يشعرون بالمهانة والتدني.
وهذا ما دفعنا أن نقول إن علي يعاني قلق السعي إلى المكانة؛ لكن ما هذا القلق؟
وهذا ما سنتعرف إليه في هذا الكتاب؛
- معنى قلق السعي إلى المكانة.
يعني ذلك أن تظل خائفاً لا تستطيع النجاح والوصول إلى ما وصل إليه الآخرون، فتحرم من هذه المكانة والمنزلة، وتصبح في مكانة أقل منها أو في مكانة مهانة في مظهر المجتمع؛ كأن ترفض في مقابلة عمل، أو لا تقبل في وظيفة معينة، فتضطر أن تقبل بوظيفة أقل؛ وإن كان العمل في نفسه شريفاً، لكن المجتمع سيرى هذا سقوطاً من القمة إلى الهاوية؛ وبالتالي ستكون تحت ضغط نفسي وعصبي شديد وستكتأب وتشعر بأنك قليل في نظر الآخرين!، لأننا مع الأسف نستمد صورتنا الذاتية من رؤية الآخرين لنا وأفكارهم عنّا!
لكن ماذا إذا فزنا بمكانة عالية وتخلصنا من القلق؟
المشكلة ليست في الحصول على مكانة؛ فالحصول على مكانة صعب، لكن الأصعب أن تحافظ عليها، وتثبتها طول حياتك مع تغيير كل ما حولك؛ لذلك نحتاج إلى أن نفهم أسباب قلق السعي إلى المكانة بشكل جيد، حتى نستطيع أن نعالجه ونتعامل معه بشكل أفضل.
لدينا خمسة أسباب رئيسية لقلق السعي إلى المكانة:
- أولاً: افتقاد الحب: وعمومنا الحب في حياتنا نوعان:
والنوع الثاني من الحب: هو حب الناس واهتمامهم بنا، والسعي وراء هذا النوع من الحب يظهر في بحثك الدائم عن مكاسب مادية مرتفعة، أو عن سلطة تحصل عليها، أو في تشوقك للشهرة..
كل هذا من مال وسلطة وشهرة ليس هدفاً بحد ذاته بقدر ما هو وسيله للحصول على حب الآخرين، بل وتسوله منهم إن لزم الأمر؛ لأنه ببساطة القيمة التي تجعل المجتمع يحترم الشخص نابعة من المجتمع نفسه.
فلو افترضنا أنه بحلول سنة 2080 مثلاً ستعطي المجتمعات القيمة للشخص الأكثر امتلاكاً للأعواد الخشبية لتنظيف الأسنان، فسنلاحظ أن الناس بدأت تشتريها مهما ارتفع سعرها في سبيل أن يحظوا بهذه المكانة، مع أن قيمة العود مجرد شيء يستخدم لتنظيف الأسنان.
- ثانياً: الغطرسة:
يسأل شخص ما الذي يجعل هذه السيدة المتغطرسة؟ أو أي شخص مثلها ضمن الأشخاص الذين يعانون من قلق السعي إلى المكانة، على الرغم من مكانتهم العالية؟
والإجابة أنك إن نظرت إلى المتغطرس من زاوية أخرى ستجده في مكانة متدنية يشعر بسببها بالخوف، وذلك لأننا عندما نقول لأشخاص إنهم غير أكفاء لنا وليسوا في مستوانا؛ فمن الطبيعي أن نشعر بالدونية، عندما نرى أشخاص آخرين أعلى منا، لأنهم سيروننا غير أكفاء لهم ولسنا في مستواهم.
- ثالثاً: التطلع:
- رابعاً: نظام المكافأة:
- وهذا هو السبب الخامس:
أولا: الموهبة: على الرغم من أنها ليست ثابتة وليس للإنسان سيطرة كاملة عليها؛ بمعنى أن مواهبك يمكن أن تساعدك في فترة معينة في عملك، وفجأة تبدأ في الإنطفاء، ولا تستطيع أن تستدعيها في وقت احتياجك إليها.
ثانياً: الحظ: مثل ما حدث لأمينة التي تفاجأت بقبولها في الشركة على الرغم من عدم استيفائها للشروط، وهذا بسبب احتياج الشركة الشديد إلى موظفين؛ ولم يجدوا من يستوفي كل الشروط.. وهذه المواقف لا تحدث كثيراً، ويمكن أن يكون قدرك الاستغناء عنك على الرغم من كفاءتك؛ لكن المجتمع لا ينظر إلى هذه النقطة فيظن أنك فاشل.
رابعاً: صاحب العمل وربحه: فمثلاً في الترقية يمكن أن يترقى زميل لك وأنت لم تترقى على الرغم من أنك أكفأ منه، والفرق أنه أظهر مهارات أخري طلبها المدير؛ أما على الربح إن استمر سنتقاضى رواتبنا؛ وإن خسرنا سنستبدل بموظفين أجرهم أقل.
خامساً: حالة الاقتصاد العالمي: لأن استقرارنا المهني والأجور التي نتقاضاها ستتأثر بالاقتصاد في العالم، وسيصبح تأثيره سلبي في حالات الركود؛ كل هذه الاعتمادات تشكل مصدرًا لقلق السعي إلى المكانة عندنا، وعلى الرغم من كل هذه الأسباب حتى بعد معرفتنا بها؛ تظل حاجتنا إلى الحب والتقدير والمكانة راسخة كما هي، فيحدث عدم توازن بين مطالبنا والواقع الذي نعيش فيه، وبالتالي تتدمر صحتنا العقلية والنفسية؛ لذا نحتاج إلى حلول تنجينا من هذا الخلل!
ولدينا هنا خمسة جوانب لحل مشكلة قلق السعي إلى المكانة والتي يلزمك أن تعرفها.
- أولاً: الجانب الفلسفي.
المعادلة السليمة هي أن وجهات نظر الآخرين وأحكامهم قبل أن تدخل إلى ذاتك، يجب أن تمر على فلتر العقل ليقيمها؛ فإن كانت صحيحة فاقبل بها على أساس أنها نقطة قوة جديدة لك ستكسبها، ونقطة ضعف ستتخلص منها.. وذلك من باب: "رحم الله مرئ أهدي إلى عيوبي".
وأما إن كانت خطأ فارمها في البحر ولا تهتم؛ فأراء الآخرين لم تصلح يوماً لتكوين صورة شخص عن ذاته، ويمكن أن تساعدك هذه المعادلة لتفهم.
- ثانياً: الفن:
- ثالثاً: استقراء تاريخ المكانة في المجتمعات.
وهكذا يرى كل مجتمع في كل عصر شيئاً معيناً على أنه معيارا لمكانة وقيمة الشخص؛ عندما تدرك ذلك وتفهم الاختلاف والتنوع الكبيرين بين مجتمع آخر وعصر آخر.. ستفهم أن المكانة نسبية غير ثابتة؛ وهو المطلوب؛ أن تلغي القداسة عن فكرة المكانة وتتوقف عن اعتبارها معاييراً ثابتة، وهذا ما نسميه التشكيك في النموذج المعاصر للمكانة؛ إن كانت الأموال والثروات هي التي تحدد قيمة الإنسان الآن فلن تكون هكذا في المستقبل، وسيحل محلها شيء مختلف؛ كما أن هذا الفهم سيساعدك أن تتقبل فكرة أنه ما دامت كل مكانة متغيرة، فالمكانة هي جانب واحد من جوانب نجاح الإنسان، فلا يصح أن يراك أحد فاشل لأنك أخفقت في جانب الماديات؛ لأن لديك جوانب أخرى تنجح فيها.. كما أن استقراء المجتمعات سيوصلك إلى مرحلة أن ترى العيب خارج ذاتك، وأن العيب ليس فيك؛ العيب في أفكار الآخرين الخطأ، وهذا طبعا بعيدا عن تبرئة النفس من الخطأ؛ نحن نتكلم في حال أن أفكار الآخرين خطأ، وإن كانت منتشرة وشائعة.
- رابعاً: الجانب الديني.
من هنا يكتشف الإنسان حقيقة نفسه، ويتأكد من زيف في المكانة التي كان فيها، فالتفكير في العالم الآخر والموت سيساعدك أن تدرك ضالة وضعف المكانة الدنيوية وأنها محدودة للغاية؛ ويجعلك تسأل نفسك: هل حب الناس وتقديرهم لي حقيقي ولذاتي أم لمكانتي؟
ومن الأشياء التي سيوجهك الدين إليها، أن تترك كل الأنشطة والسلوكيات التي تهدف إلى السعي إلى المكانة، وتركز بدلاً من ذلك على الأهم والأنفع.
- خامسا: البوهيمية.
منها أن تختر أصحابك ومن يحيطون بك بدقة، ابحث عن أشخاص غير مهوسين بتقييم الآخرين بناء على الماديات، أو من لديهم معايير مختلفة أخرى للنجاح وليس معيار واحداً، لا تقارن نفسك بأحد خصوصاً لو كان قريباً منك وتعرفه ويعرفك؛ لأن الإنسان بطبعه لو رأى رجل أعمال ثري جداً ولا علاقة بينهما ولا صلة فلن يشعر بحقد تجاهه؛ بخلاف لو كان هذا الشخص زميله في الدراسة أو أحد جيرانه أو كانت ظروفهما متشابهة، وتقبل اختلاف معاييرك للنجاح عن معايير غيرك؛ لأن الآخرين كثيراً ما يفقدون مفهوم التوازن بين نواحي الحياة ويتناسونه ويتنازلون عنه؛ وهذه خسارة لهم وليس مكسب.
- الخاتمة:
تعليقات
إرسال تعليق