القائمة الرئيسية

الصفحات

هل نضحى من أجل الحب والتقدير؟ | ملخص كتاب قلق السعي إلي المكانة - آلان دو بوتون


هذه ورد؛ فتاة من أسرة ثرية، تفتخر دائماً بنسبها وثرواتها وحتى بمنصبها في شركة أبيها؛ وهذا على شريك حياتها، موظف في نفس الشركة ومن أسرة متوسطة؛ لكن الحب جمع بينهما، يشتكي على دائماً أنه لم يستطع الوصول إلى نفس مكانة زوجته وراتبه أيضاً لم يصل إلى راتبها؛ لذا يضطر أن يعمل عملاً آخر ليلاً.

أقنع على زوجته أن له مكانة كبيرة في عمله الآخر؛ يخشى أن يقول أمام أحد أنه موظف في شركة أو إن دخل زوجته أعلى من دخله، وسلوكيات كثيرة أخرى يسلكها على أو غيره.. لأنهم غير راضين عن أنفسهم ودائما ما يشعرون بالمهانة والتدني.
وهذا ما دفعنا أن نقول إن علي يعاني قلق السعي إلى المكانة؛ لكن ما هذا القلق؟
وهذا ما سنتعرف إليه في هذا الكتاب؛

  • معنى قلق السعي إلى المكانة.
مبدئيا المكانة: هي موقع المرء وأهميته بالمجتمع وكيفية رؤية الناس له سواء كانت هذه المكانة بالوراثة من عائلة عريقة، أو بثرواته المالية أو بأية صورة أخرى؛ وللأمانة فالمكانة لها فوائد إيجابية من حيث أنها تدفع الفرد لتحقيق أهدافه، وتشجعه على السعي لتطوير نفسه للوصول إلى المكانة، كما أنها تشبع حاجته إلى الإحساس بالاهتمام والتقدير، وكل هذا طبيعي لا مشكلة فيه؛ إنما يجعل الأمر غير طبيعي ويحوله إلى حالة سيئة.. هو قلق المكانة!

يعني ذلك أن تظل خائفاً لا تستطيع النجاح والوصول إلى ما وصل إليه الآخرون، فتحرم من هذه المكانة والمنزلة، وتصبح في مكانة أقل منها أو في مكانة مهانة في مظهر المجتمع؛ كأن ترفض في مقابلة عمل، أو لا تقبل في وظيفة معينة، فتضطر أن تقبل بوظيفة أقل؛ وإن كان العمل في نفسه شريفاً، لكن المجتمع سيرى هذا سقوطاً من القمة إلى الهاوية؛ وبالتالي ستكون تحت ضغط نفسي وعصبي شديد وستكتأب وتشعر بأنك قليل في نظر الآخرين!، لأننا مع الأسف نستمد صورتنا الذاتية من رؤية الآخرين لنا وأفكارهم عنّا!

لكن ماذا إذا فزنا بمكانة عالية وتخلصنا من القلق؟
المشكلة ليست في الحصول على مكانة؛ فالحصول على مكانة صعب، لكن الأصعب أن تحافظ عليها، وتثبتها طول حياتك مع تغيير كل ما حولك؛ لذلك نحتاج إلى أن نفهم أسباب قلق السعي إلى المكانة بشكل جيد، حتى نستطيع أن نعالجه ونتعامل معه بشكل أفضل.

لدينا خمسة أسباب رئيسية لقلق السعي إلى المكانة:
  • أولاً: افتقاد الحب: وعمومنا الحب في حياتنا نوعان:
أولاً: الحب العاطفي المعروف أو العلاقات العاطفية.
والنوع الثاني من الحب: هو حب الناس واهتمامهم بنا، والسعي وراء هذا النوع من الحب يظهر في بحثك الدائم عن مكاسب مادية مرتفعة، أو عن سلطة تحصل عليها، أو في تشوقك للشهرة..

كل هذا من مال وسلطة وشهرة ليس هدفاً بحد ذاته بقدر ما هو وسيله للحصول على حب الآخرين، بل وتسوله منهم إن لزم الأمر؛ لأنه ببساطة القيمة التي تجعل المجتمع يحترم الشخص نابعة من المجتمع نفسه.

فلو افترضنا أنه بحلول سنة 2080 مثلاً ستعطي المجتمعات القيمة للشخص الأكثر امتلاكاً للأعواد الخشبية لتنظيف الأسنان، فسنلاحظ أن الناس بدأت تشتريها مهما ارتفع سعرها في سبيل أن يحظوا بهذه المكانة، مع أن قيمة العود مجرد شيء يستخدم لتنظيف الأسنان.

  • ثانياً: الغطرسة:
المتغطرس هو الشخص المستاء من عدم وجود مكانة عالية عند الآخرين، ويرى أن قيمة الإنسان تكمن في منزلته الاجتماعية، فيستبعد من دائرة معارفه أي شخص أقل منه مكانة ولا يتقرب إلا من الأشخاص الذين هم في مستواه الاجتماعي؛ وطبعاً يتطلع دائماً إلى أن يكون قريباً من الأشخاص الأعلى منه مكانة، بمعنى أنك إذا سمعت صديقتك تقول لابنتها "لا تصاحبي هذه البنت لأنها ليست من مستوانا" فإن صديقتك هذه متغطرسة!

يسأل شخص ما الذي يجعل هذه السيدة المتغطرسة؟ أو أي شخص مثلها ضمن الأشخاص الذين يعانون من قلق السعي إلى المكانة، على الرغم من مكانتهم العالية؟
والإجابة أنك إن نظرت إلى المتغطرس من زاوية أخرى ستجده في مكانة متدنية يشعر بسببها بالخوف، وذلك لأننا عندما نقول لأشخاص إنهم غير أكفاء لنا وليسوا في مستوانا؛ فمن الطبيعي أن نشعر بالدونية، عندما نرى أشخاص آخرين أعلى منا، لأنهم سيروننا غير أكفاء لهم ولسنا في مستواهم.

  • ثالثاً: التطلع:
التطلع إلى الحياة المرفهة والخلط بين الكماليات والأساسيات في حياة الإنسان، فأصبحت تسعى إلى تلبية احتياجات أعلى من قدرتك المادية؛ كما أنك أصبحت خائفاً أن تفقد مكانتك الحالية ونعيم الرفاهية الذي أنت فيه بالفعل؛ مما يضعك في قلق دائم للسعي إلى مكانة أعلى.

  • رابعاً: نظام المكافأة:
وهذا نظام يعتمد عليه سوق العمل حالياً؛ التعلم متاحاً للجميع، وفرص العمل متاحة للجميع لكن لن يفوز بهذا إلا الأجدر والأحق بها، مما جعل المجتمع يحمل الفقراء وذوي المكانة الأقل مسؤوليتهم عن وضعهم؛ وأصبحت قيمة الشخص في يده يصنعها بنفسه.. فبدأ الشخص يشعر بأنه هو المسؤول عن حالته ومكانته وأصبح أي فشل يسبب له خزياً كبيراً، وهذا ما جعل قلق السعي إلى المكانة يزيد، كما ساهم الاعتماد أيضا في زيادة قلق السعي إلى المكانة.

  • وهذا هو السبب الخامس:
سيطر نظام المكافئة على الحياة المهنية، ومن هنا ظهر الاعتماد فأصبح عمل أي شخص يعتمد على خمسة أشياء..
أولا: الموهبة: على الرغم من أنها ليست ثابتة وليس للإنسان سيطرة كاملة عليها؛ بمعنى أن مواهبك يمكن أن تساعدك في فترة معينة في عملك، وفجأة تبدأ في الإنطفاء، ولا تستطيع أن تستدعيها في وقت احتياجك إليها.

ثانياً: الحظ: مثل ما حدث لأمينة التي تفاجأت بقبولها في الشركة على الرغم من عدم استيفائها للشروط، وهذا بسبب احتياج الشركة الشديد إلى موظفين؛ ولم يجدوا من يستوفي كل الشروط.. وهذه المواقف لا تحدث كثيراً، ويمكن أن يكون قدرك الاستغناء عنك على الرغم من كفاءتك؛ لكن المجتمع لا ينظر إلى هذه النقطة فيظن أنك فاشل.

رابعاً: صاحب العمل وربحه: فمثلاً في الترقية يمكن أن يترقى زميل لك وأنت لم تترقى على الرغم من أنك أكفأ منه، والفرق أنه أظهر مهارات أخري طلبها المدير؛ أما على الربح إن استمر سنتقاضى رواتبنا؛ وإن خسرنا سنستبدل بموظفين أجرهم أقل.

خامساً: حالة الاقتصاد العالمي: لأن استقرارنا المهني والأجور التي نتقاضاها ستتأثر بالاقتصاد في العالم، وسيصبح تأثيره سلبي في حالات الركود؛ كل هذه الاعتمادات تشكل مصدرًا لقلق السعي إلى المكانة عندنا، وعلى الرغم من كل هذه الأسباب حتى بعد معرفتنا بها؛ تظل حاجتنا إلى الحب والتقدير والمكانة راسخة كما هي، فيحدث عدم توازن بين مطالبنا والواقع الذي نعيش فيه، وبالتالي تتدمر صحتنا العقلية والنفسية؛ لذا نحتاج إلى حلول تنجينا من هذا الخلل!

ولدينا هنا خمسة جوانب لحل مشكلة قلق السعي إلى المكانة والتي يلزمك أن تعرفها.
  • أولاً: الجانب الفلسفي.
ببساطة احتياجنا الدائم إلى الشعور برضى الآخرين عنا، واعتبار أحكامهم وأراءهم عنا معياراً لصورتنا الذاتية، وانعكاساً لما نحن عليه بالفعل جعلنا إما نخوض حرباً ضد أي شخص يحاول أن ينتقص من مكانتنا؛ فنستنزف نفسياً وعقلياً وإما أن نشعر بالخزي والمهانة لأننا سلمنا بأراءهم، واعتقدنا أنها تصف حقيقتنا؛ لكن منطقيا هذان التصرفان غير صحيحين..

المعادلة السليمة هي أن وجهات نظر الآخرين وأحكامهم قبل أن تدخل إلى ذاتك، يجب أن تمر على فلتر العقل ليقيمها؛ فإن كانت صحيحة فاقبل بها على أساس أنها نقطة قوة جديدة لك ستكسبها، ونقطة ضعف ستتخلص منها.. وذلك من باب: "رحم الله مرئ أهدي إلى عيوبي".

وأما إن كانت خطأ فارمها في البحر ولا تهتم؛ فأراء الآخرين لم تصلح يوماً لتكوين صورة شخص عن ذاته، ويمكن أن تساعدك هذه المعادلة لتفهم.

  • ثانياً: الفن:
لأن قلق السعي إلى المكانة من الأشياء التي انتقدها الفن كثيراً خصوصاً في الروايات ويمكن أن نقول إجمالاً إن الفن وخصوصاً الروايات ما قبل القرن الـ 20 ستساعدك على أن تنظر إلى المكانة الإجتماعية من زاوية مختلفة، وتشك في جدول اعتمادك عليها كصورة لذاتك؛ وستساعدك أيضاً على أن ترى الأدب بسخريته من المكانة العالية عند الآخرين وذلك سيلطف قليلاً من حدة قلقك سعياً وراء المكانة، وستشعر أن المكانة ليس لها أي دور في قيمة الشخص وعلى الأقل يطمئننا الأدب أيضا إلى وجود أُناس يُشبوننا في العالم وأننا لسنا وحدنا؛ ولا يُمكن أن يكون كلُّ الناس سيئين، لأن أشخاصا أخرين يرونهم سيئين.

  • ثالثاً: استقراء تاريخ المكانة في المجتمعات.
لو نظرنا إلى المجتمعات قديماً سنجد بعضها اعتمدوا على قوة بنية الجسم كمعياراً لأصحاب المكانة العالية، وبعضها اعتمد على الزهد في الدنيا والتقشف، ومجتمعات أخرى حصرت قيمة الشخص في ثروته وممتلكاته المادية كحالنا الآن!

وهكذا يرى كل مجتمع في كل عصر شيئاً معيناً على أنه معيارا لمكانة وقيمة الشخص؛ عندما تدرك ذلك وتفهم الاختلاف والتنوع الكبيرين بين مجتمع آخر وعصر آخر.. ستفهم أن المكانة نسبية غير ثابتة؛ وهو المطلوب؛ أن تلغي القداسة عن فكرة المكانة وتتوقف عن اعتبارها معاييراً ثابتة، وهذا ما نسميه التشكيك في النموذج المعاصر للمكانة؛ إن كانت الأموال والثروات هي التي تحدد قيمة الإنسان الآن فلن تكون هكذا في المستقبل، وسيحل محلها شيء مختلف؛ كما أن هذا الفهم سيساعدك أن تتقبل فكرة أنه ما دامت كل مكانة متغيرة، فالمكانة هي جانب واحد من جوانب نجاح الإنسان، فلا يصح أن يراك أحد فاشل لأنك أخفقت في جانب الماديات؛ لأن لديك جوانب أخرى تنجح فيها.. كما أن استقراء المجتمعات سيوصلك إلى مرحلة أن ترى العيب خارج ذاتك، وأن العيب ليس فيك؛ العيب في أفكار الآخرين الخطأ، وهذا طبعا بعيدا عن تبرئة النفس من الخطأ؛ نحن نتكلم في حال أن أفكار الآخرين خطأ، وإن كانت منتشرة وشائعة.

  • رابعاً: الجانب الديني.
لو فكرت في كل المحيطين بمجرد أن يصبحوا في عداد الموتى أو على أسرة المرض الشديد، وقد زالت عنهم المكانة التي كانوا يتمتعون بها؛ سواء كانوا أشخاصاً جيدين أو سيئين؛ والشخص الذي كان يحترم شخصاً آخر لمنصبه أو ثروته؛ لم يعد يحترمه بنفس القدر ولا يرى له قيمة!

من هنا يكتشف الإنسان حقيقة نفسه، ويتأكد من زيف في المكانة التي كان فيها، فالتفكير في العالم الآخر والموت سيساعدك أن تدرك ضالة وضعف المكانة الدنيوية وأنها محدودة للغاية؛ ويجعلك تسأل نفسك: هل حب الناس وتقديرهم لي حقيقي ولذاتي أم لمكانتي؟

ومن الأشياء التي سيوجهك الدين إليها، أن تترك كل الأنشطة والسلوكيات التي تهدف إلى السعي إلى المكانة، وتركز بدلاً من ذلك على الأهم والأنفع.

  • خامسا: البوهيمية.
البوهيمية موقف عقلي يختار فيه الإنسان بإرادته واختياره أن يعيش حياة غير مرفهة، أو حياة بسيطة، وعلى الرغم من أن الشخص البوهيمي يحاول أن يسعد نفسه بالرضى عن ذاته وعن اختياره؛ يمكن أن يتورط في النفور من حياته.. بمجرد أن يخالط أناس غير بوهيميين، أو يرى نجاحات الآخرين؛ لذلك فالحل ليس في البوهيمية نفسها؛ وإنما سنستفيد منها في أشياء..

منها أن تختر أصحابك ومن يحيطون بك بدقة، ابحث عن أشخاص غير مهوسين بتقييم الآخرين بناء على الماديات، أو من لديهم معايير مختلفة أخرى للنجاح وليس معيار واحداً، لا تقارن نفسك بأحد خصوصاً لو كان قريباً منك وتعرفه ويعرفك؛ لأن الإنسان بطبعه لو رأى رجل أعمال ثري جداً ولا علاقة بينهما ولا صلة فلن يشعر بحقد تجاهه؛ بخلاف لو كان هذا الشخص زميله في الدراسة أو أحد جيرانه أو كانت ظروفهما متشابهة، وتقبل اختلاف معاييرك للنجاح عن معايير غيرك؛ لأن الآخرين كثيراً ما يفقدون مفهوم التوازن بين نواحي الحياة ويتناسونه ويتنازلون عنه؛ وهذه خسارة لهم وليس مكسب.

  • الخاتمة:
كانت هذه هي الحلول التي في أيدينا لنُخفِّف قلق السعي إلى المكانة، ونُغير البُوصلة ولا نقبل بواقع ومعايير مجتمعية غير سليمة ومفروضة علينا هكذا.. وكأنها كتاب سماوي؛ التغيير في المفاهيم والأفكار هو تغيير من الجذور، وهذه معركة أهم من الحلول التقليدية أو القصيرة المدي، ابدأ الآن وابحث عن المعايير الخطأ التي أخذتها من المحيطين بك وحللها جيداً، واسحب نفسك منها بحكمة وبشكل غير صدامي أو عنيف حتى لا تكسر.



تعليقات