القائمة الرئيسية

الصفحات

هل أصبح علم النفس دينا؟ ولماذا أصبح يتمحور حول الذات؟ | ملخص كتاب علم النفس دينا - بول سي. فيتز


مع انتشار عبارات مثل ” أنت تستطيع” و ” لقد خلقت لتفوز” و ” أنت القائد لحياتك” وغيرها من عبارات التحفيز الذاتي ، التي لا تتفق بالضرورة مع الواقع ، وتأثير “الفشل” في الوصول للهدف على الصحة النفسية والعقلية والاجتماعية للفرد وتأثير ذلك على المجتمع ، يأتي هذا الكتاب لنقد علم النفس المعاصر وتمحوره حول الذات.

كتاب ”علم النفس دينًا -مذهب عبادة الذات“ للكاتب والمُعالج النفسي الأمريكي بول سي فيتز، صدر في فترة السبعينيات، لكن الكاتب عاد وأصدر نسخة مُعدّلة من الكتاب في التسعينيات، وهي نفس النسخة العربية.

ومؤلف الكتاب بول فيتز عالم نفس أمريكي تمتد خبرته لأكثر من 35 عاما، بداية من دراسته الجامعية ثم عمله أخصائيا نفسيا ثم عالما نفسيا درس في جامعات أ مريكية مرموقة وهنا بعض الأسئلة التي يحاول المؤلف الإجابة عنا في ثنايا كتابه:

هل أصبح علم النفس دينا؟
من هم المنظرون الكبار؟ وما خلفياتهم الدينية؟
ما تأثير علم النفس المعاصر على الأسرة؟ وما علاقته بزيادة حالات الطلاق وانهيار العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع؟
ما تأثير علم النفس المعاصر على المدارس؟ وهل له علاقة بتدني التحصيل الدراسي؟
لماذا يلقي الإنسان باللوم على الآخرين عند إخفاقه؟
ما علاقة علم النفس المعاصر بحركة العصر الجديد؟
وهل علم النفس المعاصر وثنية جديدة؟
ما علاقة علم النفس المعاصر بالمسيحية والديانات الأخرى؟


“هذا الكتاب للقارئ المهتم بنقد علم النفس المعاصر، القارئ الذي يعرف -ربما بشكل حدسي- أن علم النفس أصبح يعتمد على المشاعر أكثر من اعتماده على العلم وانه أصبح الآن جزءاً من المشكلة في الحياة المعاصرة بدلا من أن يكون جزءاً من الحل”

رُبما يرى البعض أن قراءة الكُتب التي تتعلق بالنظريات والعلوم والتي كُتبت منذ فترة طويلة هي مضيعة للوقت، ذلك كونها كُتبت في فترة لم تكن نتائج تلك النظريات قد وضحت آثارها على المُجتمع أو الفرد. خاصة إن لم تكن تلك النظريات تجريبية وهو ما ينطبق على العلوم النفسية والسلوكية. حيث أن نتائجها دائمًا تحتاج إلى وقت طويل نسبيًا لظهور أي تغيير ملحوظ وحقيقي.

صحيح أن حقبة التسعينيات تبدو فترة زمنية قديمة نسبيًا خاصة مع التطورات الكبيرة في العلوم بشكل عام وفي علم النفس بشكل خاص. فنحن مررنا بثلاث عقود يُمثّل كل عقد فيهم ثورة تقنية مُستقلة. فأوائل الألفينيات كانت ثورة الانترنت، ثم الفترة من 2011 إلى 2019 كانت ثورة وسائل التواصل الاجتماعي، ويبدو أن العقد الحالي الذي بدأ من عام 2021 سيُمثّل ثورة الذكاء الاصطناعي.

لكن قراءة الكتب التنظيرية لعلم النفس أو العلوم السلوكية والتي تُناقش نظريات في فترة زمنية سابقة لها ميزة هامة، ألا وهي أنها تُمكّننا من ملاحظة التغيّرات التي من الممكن أن تكون قد حدثت في السلوكيات المجتمعية أو في مجال الصحة النفسية على المستوى الفردي أو الجمعي، والوقوف على صحة التوقعات التي توقعها العلماء أو الأطباء أو الأدباء -حينها- لتلك لنظريات العلمية أو الطبية أو حتى الأخلاقية المُختلفة. الأجمل هو أننا يُمكننا أيضًا الاطلاع على التفنيدات لتلك التوقعات مدعومة بنتائج واقعية ملموسة.

  • أنت الأهمّ... ولا أحد سواك!
في كتاب ”علم النفس دينًا“ يهاجم الكاتب علم النفس الإنساني تحديدًا، والمقصود به ليس علم النفس بشكل عام، وإنما فرعًا منه وهو ما يُطلق عليه علم النفس الإنساني، ويُقصد به التركيز الشديد على فكرة الذاتانية أو إيثار حُب النفس بشكل مادي ونفعي يعتمد على المصلحة بشكل تام. وهجوم الكاتب نابع عن إيمانه بأن مثل هذه الأفكار تؤدي إلى ازدياد النزعة النرجسية للفرد فتنقلب إلى مُتلازمة سمّاها "النرجسية الوجودية"

أشار الكاتب إلى أشهر المُنظّرين لعلم النفس الإنساني في تلك الفترة وهم كارل يونغ، إريك فروم، أبراهام ماسلو، رولو ماي، كما شرح آرائهم وأضاف ردوده عليهم.

مع مرور الوقت اكتسبت فكرة الذاتانية زخمًا كبيرًا لتصبح أسلوبًا للحياة، سواء للعلاجات النفسية أو علاجات الإدمان أو نهج لحياة الفرد. وباتت الذات هي أهم شيء في حياة الفرد. وتجدر الإشارة إلى أن أنصار الذاتانية يؤمنون بأنه لا يوجد شر وإنما الإنسان لديه نوازع مُختلفة وهو خيّر دائمًا حتى وإن بدت للآخرين غير ذلك. ورغم هذا التفهّم المُتساهل للفرد، شيطنت الذاتانية كل شيء من حوله؛ المجتمع والآباء والدين، مُبررة ذلك بأنهم يُمثّلون كل أسباب الشرور والمصائب التي تحدث للإنسان، مُتجاهلة تمامًا أي مسؤولية تقع على الفرد في أي من اختياراته التي لا تُراعي غير مصلحته الشخصية فقط!

  • عالم الأخلاق النسبيّة.
يستنكر الكاتب تجاهل علماء نظريات علم النفس الإنساني لمفهوم أن قيمة المرء مُستمدة من الإله وليس من معاييرنا التي نختارها بأنفسنا، وإصرارهم على أن تقدير الذات هو غاية للإنسان في حد ذاته، وأن القيّم الأخلاقية المُجتمعية أو الفردية هي أمر يعود إلى تقدير كل شخص! كما أصرّوا على استبعاد الإله والدين بشكل عام من عملية تقييم القيم. وبأن يقتصر التعلّم والمعرفة وإرساء القيم على ثلاث جوانب: البيئة الخارجية، البيئة الاجتماعية والشخصية، والذات وعلاقتها بنفسها.

ويقتبس الكاتب من رسائل فريدريك المقارنة بالفلسفة الوجودية بجان بول سارتر "إذا تخلّصت من الإله الأب، فلا بُد من وجود من يخترع القيم. تُعتبر الحياة لا شيء قبل أن تعيشها. إذن، الأمر متروك لك لمنحه معنى، وقيمة الحياة ليست سوى المعنى الذي تختاره أنت."

كما يشير أيضًا إلى هوس المجتمع الأمريكي بالتشجيع على فكرة "عليك التخلي عن المفاهيم التي أخبروك عنها "هم"، وإنشاء مفاهيمك الخاصة، هذا ما تعنيه الحياة." أو مثلما يقول العالم كارل روجرز بصراحة "أنا من يختار – أنا من يُحدد قيمة كل تجربة بالنسبة لي“

ويردّ الكاتب بأنه ليس شرطًا أن يكون تقدير الذات مُرادفًا للأخلاق الحميدة أو نتيجة للأفعال الخيّرة. حيث أن كثيرًا من الأشخاص الذين يتمتعون بتقدير كبير للذات تكمن سعادتهم فقط في كونهم أغنياء أو يتمتعون بالجمال أو بالعلاقات الاجتماعية أو بالشُهرة. كما أن من الأشخاص الذين لوحظ احترامهم لذاتهم هم تجار المخدرات الذين يشعرون عمومًا بالرضا عن أنفسهم، فهم رغم كل شيء، نجحوا في جني الكثير من المال في بيئة معادية وتنافسية.

لكنه لا ينفي أهمية تقدير الذات، أو أن تقدير الذات المرتفع مقتصر دومًا بشكل سلبي بالإنجاز. لكن المقصود أن تقدير الذات ليس له علاقة مباشرة بالسلوك سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا.

يشير الكاتب إلى خطورة تشجيع الأفراد على هذا النهج الأناني والذي رأى أن المُجتمع تحوّل إلى أمة من الضحايا بعد أن صار كل شخص يرى أن له حقوق وليس له أي واجبات. فلا قداسة للأهل ولا للعائلة، ولا قيّم سوى القيّم النفعيّة. كما تقودنا هذه النظرية إلى أن أي إخفاقات أو مآسي في حياة المرء أو حياة الآخرين هي في النهاية مسؤولية الفرد، ولذلك يُنظر إلى الفقراء على أنهم مسؤولون عن حالتهم الخاصة، وليسوا كإخوة في البشرية ندين لهم بالحب.

أيضًا يدين بشدة اتجاه المدارس العامة والمؤسسات الحكومية بحذف ومسح أي إشارة إلى الإله، والإنكار للطابع الديني والروحي والأخلاقي للعلاقات بشكل عام خاصة العلاقات الجنسية في المناهج الدراسية، بل يُشار فقط إلى الطابع الديني للعلاقة الجنسية أنها مجرد موقف متوقع لمجموعة من المتشددين المعاصرين والمقموعين جنسيًا.

  • سلبيات.
على الرغم من أن الكاتب أجاد في نقده للأفكار الذاتانية، والرد على الاتهامات التي وجهها أصحاب تلك الأفكار للمسيحية بشكل خاص وللدين بشكل عام. إلا أن الكاتب قد أغفل أن جزءًا من أسباب اتجاه المجتمع إلى التمرّد على السُلطة الدينية والأعراف الاجتماعية، قد يُعبّر في حقيقته عن رد فعل عنيف تجاه فساد السُلطة الدينية وتحالفها سياسيًا مع الدولة في بعض البلدان للسيطرة على الأفراد وقمعهم لضمان استمرار الحُكم. وأيضًا رد فعل ضد جمود النُخب الدينية وعلمائها التي لم تُقدّم أفكارًا أو حلولًا تُجاري التطورات المُجتمعية السريعة، والالتزام بتأويلات وتفسيرات أثبت العلم أو التجربة العملية أنها لم تكن صحيحة بالأساس، خاصة بعد الشرخ العظيم الذي حدث بين المجتمعات الغربية وبين الدين بشكل عام (المسيحية تحديدًا) في أعقاب مذابح الحرب العالمية الثانية والتي أطلقت أكبر موجة إلحاد في العالم بسبب الاعتقاد بأن الشر المُهيّمن على العالم حينها يدحض أي مزاعم قدمتها الكنيسة بوجود الرب الذي يحمي عباده والذي من المفترض ألا يسمح بوقوع كل هذا الشر والوحشية والعنف!

الكاتب أقرّ ضمنًا في بعض أجزاء من الكتاب بهذا الجمود ودعى إلى أهمية تجديد الفكر الديني لإنقاذ المُجتمع والوقوف أمام الأفكار المُدمرة التي اجتاحت المجتمع. لكنه لم يُقدّم أو يُناقش ولو بشكل بسيط وموجز تأثير ذلك على نفسيّة الأفراد في المجتمع الأمريكي، وكيفية معالجته بدلًا من التعميم المُفرط الذي يختزل الدين في مجرد مواعظ لا تعتمد على مخاطبة الفكر في مجتمع يعج بالنظريات العلمي والفلسفية.

أيضًا أشار الكاتب في بعض المواضع إلى تجارب أو نتائج تُثبت وجهة نظره دون الإشارة إلى مراجع موثقة، بالإضافة إلى تجاهله مناقشة بعض التفسيرات المعقولة وغير المتطرفة -ليست موجودة بالكتاب لكنها كانت قائمة في تلك الفترة- لكنها تخالف تلك النتائج التي أتى بها. كما كانت هناك بعض التفسيرات التي شرحها بشكل موجز ومُخلّ يقصد بها تفنيد بعض النقاط والاتهامات لكنها في الحقيقة لم تكن مقنعة أو أنه أساء تأويلها ومن ثَمّ الاستدلال بها.

أخيرًا شاب الكتاب كثيرًا من التكرار في جميع الفصول.

  • اقتباسات.
يجب أن يكون واضحًا أن درجة عالية من الاستقلالية التامة أمر مستحيل في أي علاقة إنسانية جادة طويلة الأمد، ناهيك عن علاقة تنطوي على واجبات الحب الحقيقي والعائلة.

يوجد في علم النفس اليوم افتراض عام مفاده أن الدوافع البشرية البيولوجية صحيحة ومثالية، على الصعيدين الفردي والاجتماعي، وأن التقاليد الأخلاقية القمعية أو الكابحة خاطئة.

إننا اليوم نفهم هويّتنا عبر المنتجات التي نستخدمها، وعبر الصور النمطية المرتبطة بتلك المنتجات، وعبر أنشطتها الحياتية، مثل أماكن قضاء إجازتنا ووسائل ترفيهنا، بمعنى آخر، عبر ما يُعرف بنمط الحياة.

المفهوم الكامل للزواج الذي ينطوي على الالتزام قُفز عليه بفكرة مفادها: أن شخصًا ما بمجرد أن يُقرر -بشكل صحيح أو غير صحيح- أن تحقيقه ذاته أو تحقيها ذاتها يتأثر، فعندها قد حان الوقت للمغادرة.

كثيرًا ما يطلب أعضاء مجموعة التعافي الرحمة بسبب إخفاقاتهم ونقاط ضعفهم، ولكن ليس لديهم سوى القليل من الرحمة أو الفهم لوالديهم.

بالنسبة للمراهقين؛ إذا لم يحاول البالغون المسؤولون -مثل المعلمين- الترويج لقيم الخير، فقد تنجح المصادر غير المسؤولة- مثل العصابات أو التليفزيون أو وسائل الإعلام الأخرى- في الترويج لقيم الشر.

نظرًا لأن كثيرًا من قواعد علم النفس الذاتي مُستمدة من الاقتصاد وتعتمد عليه، فإن الأشخاص الذين يتميزون بهذا النوع من الدوافع يكونون عرضة للخطر عندما يتدهور الاقتصاد، فقد يساورهم الشك في هويتهم عندما لا يملكون وظيفة أو مالًا يسمح لهم بشيء من تحقيق الذات.

المجتمع أصبح يثير الاكتئاب باتجاهه نحو تخفيض قيمة الأطفال والأسرة، كما أن التركيز المتزايد على الإشباع الفردي والمكاسب الفورية والملموسة من جميع العلاقات يُشجّع على عدم رغبة الوالدين في العطاء والتضحية أو تحمّل مسؤولية الأطفال الصغار.

يلقى العلاج النفسي رواجًا متزايدًا اليوم، لأن الناس يريدون معرفة سبب عدم رضاهم عن المتعة ويرغبون في البحث عن العيوب داخل أنفسهم.

  • ملاحظات هامة عن السياق الزمني.
يمكننا ملاحظة أن هذه مُتلازمة النرجسية الوجودية كما سماها الكاتب، قد عاصرت فترة الثورة المادية والجنسية في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي عادت بشدة كل أشكال السُلطة الدينية والأعراف المجتمعية، كما عاصرت أيضًا الفترة التي أعلنت فيه الولايات المتحدة عن وصولها إلى سطح القمر، واعتبار البعض أن خروج الإنسان إلى الفضاء هو تحرّر الإنسان من وهم الإلوهية! بل وصل الأمر إلى التفاخر حينها بالخروج إلى الفضاء أثبت الإنسان أنه لا يوجد شيء بالأعلى وبأن وجود الله هو مجرد وهم كبير.

أيضًا نُلاحظ أن التحوّل الاستهلاكي للمجتمع الأمريكي قفز بشكل ملحوظ في تلك الحقبة، الأمر الذي استغله أباطرة الصناعة لخلق مجتمع استهلاكي يضمن استمرار الآلة الاقتصادية الرأسمالية. حيث أن خلق حالة إدمان الاستهلاك يلزمه خلق شخصية قلقة غير مستقرة عاطفيًا، وأن تكون أهدافها مادية غير روحانية، وتنبذ القيّم الإنسانية المُتعارف عليها مثل التراحم والمساعدة والادخار والتضحية من أجل الأهل والعائلة. وهذا لن يحدث سوى بغرس فكرة الذاتانية الفردية بين أفراد المجتمع.

وقد تحدّث الدكتور عبد الوهاب المسيري بشكل ثري ورائع عن هذه الأمور بالإضافة إلى أثر الثورة الجنسية والحياة المادية وانطلاق النسوية وانتشار مفهوم الحداثة وبعد الحداثة على المجتمع الأمريكي في تلك الحقبة التي عاصرها عندما كان يعيش في الولايات المُتحدة الأمريكية، وذلك في كتابه البديع ”رحلتي الفكرية - في الجذور والبذور والثمر“ -

  • التقييم النهائي:
كتاب ”علم النفس دينًا - مذهب عبادة الذات“ للكاتب والمُعالج النفسي الأمريكي بول سي فيتز، من الكُتب الهامة التي من المفيد الاطلاع عليها خاصة عندما نرى أن بعض من التخوفات التي أثارها الكاتب قد تحققت بشكل مُخيف ليس في المجتمع الأمريكي فقط، بل وفي كثير من المجتمعات حتى وصلت إلى كثير من مجتمعاتنا العربية وإن لم تكن بالحِدّة نفسها.

تعليقات