قديماً كانت هناك قرية يسمع أهلها عن المدينة وسحرها؛ لكن لا يعرفون شيئاً عن حقيقتها، وفي يوم من الأيام ذهب اثنان منهم إلى المدينة وغابوا فيها فترة، رجع الأول واجتمع الناس حوله وسألوه عن أخبار المدينة، فقال لهم: لقد عرفت حقيقة المدينة.. إنها مرتع الفساد وكل أهلها سكيرون لا يدينون بشيء، وصدقه الناس بالفعل وانطلقوا في طريقهم.
بعد عدد من الأيام رجع الرجل الآخر وقال لهم: لقد عرفت حقيقة المدينة، إنها مليئة بدور العبادة وكل أهلها متدينون طيبون، احتار الناس وقالوا ما الذي يحدث؟
كيف يكون كلامهما متعارضا، من منهم الصادق ومن الكاذب، فذهبوا إلى رجل عجوز وحكيم في القرية وقصوا عليه ما حدث، فقال لهم: إنك كلاهما صادقان؛ لكن الأول فاسد، فقد نزل إلى أقرب خمارة في المدينة فوجدها ممتلئة، فحكم على أهل المدينة من خلالها، أما الرجل الثاني فهو رجل صالح فقد نزل إلى أقرب مسجد فوجده ممتلئا، فحكم على أهل المدينة من خلاله، وقال لهم إن كل منهما رأى المدينة من خلال نفسه؛ فمن بداخله الخير رأى الخير، ومن بداخله الشر رأى الشر، وهذا أعظم سر في الحياة.
إنك تستطيع أن تجعل حياتك سعيدة عندما تغير ما بداخلك، كل شيء يبدأ من هنا من داخلك؛ وهذا مفتاح تغيير كل شيء في حياتك، فلو أردت أن تغير حياتك إلى الأرض ومؤمن أنك تستطيع أن تطور من نفسك وتحسن من عيوبك فهذا الكتاب لك.
هل جربت من قبل إحساس أن تتكلم وتشعر أن من أمامك غبي لا يفهم؟
أو تسأل كيف يتصرف هكذا؟
أو كنت مكانه لم أكن لأتصرف هذا التصرّف؟
أو تدافع عن حق ولا تستوّعب كيف لا يرون أنك على حق فعلا؟
عامة لو حدث هذا معك، وغالبا سيكون قد حدث بالفعل، فالكاتب يقول إن عنده الحل، والحل أن تفهم لماذا يفكر الناس بهذه الطريقة حتى تستطيع التواصل معهم وتجعلهم يفهمونك؟ ستقول وماذا استفدت أنا من كل ذلك؛ هذا هو تفكيرهم، سأقول لك: هل عندك كهف تستطيع أن تسكن فيه وحدك؟
- هل تستطيع الاستغناء عن الناس؟
والناس عامة يتواصلون بأكثر من طريقة، فهناك من يتواصلون بطريقة يسميها الكاتب؛ طريقة لله يا محسنين، وهم من يعيشون على استجداء رضا الناس عنهم، فيقدم لك كل ما تريده لترضى عنه وتنفذ له طلبا، النوع الثاني يستخدم طريقة حقي بدراعي، وهو الشخص الذي يأخذ ما يريد من خلال قوته وسلطته، أما الطريقة الثالثة والوحيدة الصحيحة فهي التواصل الفعال؛ أن تحصل على ما تريده من خلال ثقتك وكفاءتك، عن استحقاق لا بأن تتذلل لأحد ولا بأن تجبره؛ ولكن قبل أن نتحدث عن التواصل الفعال، مهم أن تفهم أنه لا توجد طريقة في الدنيا يمكنها منع الخلافات تماماً، لأن الاختلافات بيننا لن تنتهي.
- أولاً: الخلافات.
إننا نفترض دائما أن الناس ترى الموقف من خلال منظورنا، ولكن هل منظورنا هذا هو الصحيح فعلا؟ قانون المؤلف الأول يقول إذا شعرت أنك على صواب فهذا لا يعني بالضرورة أنك هكذا؛ تعامل مع الحياة على أنها قطعة بزل، وكل واحد يرى جزءا من الصورة، وجهة نظرك مع وجهة نظر الآخرين هي ما يكمل الصورة الحقيقية، لذا فأي شخص في منصب مهم يكون له مستشارون؛ كل واحد منا يتعامل بتجاربه وخبراته، ويرى أنه هو الصحيح ويمكن أن يكون هكذا بالفعل، لكن يمكن ألا يكون أيضا؛ تفهمك لهذا الأمر سيجعلك أكثر تقبلاً لاختلاف الآخرين عنك ولأخطائهم كذلك، لأن من يفعل فعلا خطأ فإنه لا يفعله وهو يعلم أنه خطأ، ولكنه يظن أنه على صواب أو لا يعرف غير هذا الفعل أصلا، وهذا سيجعلك أكثر رحمة به وتفهماً لتصرفه..
معني هذا أن أتقبل الخطأ وأترك المخطئ يخطئ؟!
لم يقل أحد هذا لكن عندما توجهه في هذا الخطأ، عليك أن تحاوره بمنطقه هو وليس بمنطقك أنت، فلو رأيت سائق مثلاً لا يرفع يده من على الكلكس، وذهبت إليه وقلت إنك تسبب الإزعاج وغير متحضر، فسوف يرد عليك ردودا غير لائقة، لكن لو قلت له إن هناك أُناسا كبارا في السن ومرضي؛ ولا يستطيعون النوم بسبب الكلكس وأنت مثال للرجولة وحسن الفهم، فإنه غالبا سيستجيب وسيقبل ما تقول بالصدر الرحب، لأنك بهذه الطريقة قد خاطبت الصفات الموجودة لديه بالفعل، التي يقدرها ويقدر أيضا من يصفه بها.
مُلخص الأمر كلمه بلغته هو وليس بلغتك أنت، كما أن حل أكثر الخلافات في العلاقات الزوجية بالذات هو أن تفهم النية وراء سلوك الطرف الأخر، وألا تقف عند سلوكه فقط ولا تتعامل مع أي موقف على أنه لا بد من وجود شخص مُصيب وشخص مُخطئ، فكل واحد منا مُصيب في منظوره؛ لذا لا بد أن يفكر كل شخص بمنظور الأخر، حتى تصل إلى حل يرضي الطرفين، غير أنك عندما تسأل من المخطئ وتحاول أن تنتصر لنفسك، فإن هذا يكون عادة على حساب علاقتكم؛ لذا لابد في العلاقات أن تسير بمبدأ الربح للطرفين.
ولكن كيف أعرف النية من وراء سلوك الطرف الآخر؟
معك حق هذا سؤال صعب فعلا، ولكن خمن الإجابة؛ والإجابة بسيطة للغاية وهي أن تسمعهم.. نعم أن تسمعهم فقط، لكن تسمعهم جيداً استماعاً فعال، الناس يحبون الحديث عن أنفسهم ويحبون من يسمعهم ويشاركهم تجاربهم، فاستماعك إليهم سيجعلك محبوبا كما أنك ستعرف أن دوافع الناس لسلوكيات معينة، لم تكن تتصور أن ورائها هذا الدافع الذي يمكن أن يغير نظراتك تماما لتصرفاتهم؛ الاستماع سيجعلك تصل إلى نفوس الآخرين، فلو صمتنا وسمعنا أكثر مما نتكلم فإننا سنفهم بطريقة صحيحة.
- ثانياً: معاملة الناس لك من اختيارك أنت.
أحمد وسلمي مخطوبان ويحب كلاهما الآخر، بمرور الوقت بدأ أحمد يشتكي من سلمي، ويفكر في أن يتركها؛ وعندما سئل أحمد لماذا؟ قال إنها لا تحترمني.. لم تقول ذلك؟ قال إنها إذا أرادت شيئاً ولم أنفذه فإنها ترفع صوتها جداً، وتتطاول في الكلام؛ وماذا تفعل أنت حينها؟ قال أنتَ السُّ غضبَها وأفعلُ لها ما تريد في كل مرة.. السؤال هنا، أين الخطأ في هذا الموقف؟ أسمعك تقول إنه ليس رجلا ونفذ كلامها، وبالطبع هذا ليس الخطأ وليس موضوع حديثنا، الخطأ هنا أن أحمد لم يقل لها أصلا إن هذا التصرف مرفوض بالنسبة إليه، ولا قال إنه يمكن أن ينفذ لها ما تريد إن طلبته بشكل مناسب، ومن ثم جربت هي هذه الطريقة وحصلت منها على ما تريد كل مرة، فما الذي يجعلها تغيرها أصلا؟ القاعدة هنا أنك أنت من يضع القوانين والحدود التي سيعاملك الناس على أساسها، فلو كان أحدهم يعاملك بشكل سيئ، ففكر أولاً: ما الذي فعلته أنت وسمح له أن يتصرف معك بهذا الشكل؟ ووضح للناس ما يضايقك بالضبط ولا تفترض بأنهم سيعرفونه وحدهم، وضع حدوداً واضحة لنفسك ولما ستقبله أو ترفضه، ولا يحدث ذلك بالشجار والصراخ.. تذكر أنك لا تأخذ حقك بذراعك، ولكن بالاستحقاق..
وهناك فرق كبير وبالمثل عندما تتعامل مع أي شخص، تعامل معه بالطريقة التي يحبه أن تعامله بها، فلا تفترض بأنه سيحب نفس ما تحب أنت، فربما تحب أن تترك لك مساحة كبيرة في التعامل، لكن خطيبتك مثلاً تحب أن تشاركها كل تفاصيلها، فلابد لكل واحد منكم أن يُعامل الآخر بمن يحب.
- ثالثاً: كيف تحب من لا تستطيع حبهم؟
أي شخص نكره عامة يكون وراء هذا الكره سبب، حتى لو كنت تشعر أنك تكرهه بلا سبب، فركز وحاول اكتشاف هذا السبب، ستجده إما صفة وإما تصرف معين تصرفه معك وضايقك، لكن هل هذا الشخص بكل كيانه محصور في هذه الصفة أو في هذا التصرف أم إنه مثلك، يمكن أن تكون لديه بعض الصفات أو التصرفات الخاطئة، كن منصفاً أن تكره جزءا من الشخص وليس الشخص عامة، وقل لنفسك أنا أكره هذا التصرف الذي فعله، لكن لا تقل أنا أكره ولا تتكلم عن الشخص بشكل سلبي في نفسك، واستخدم لغة إيجابية؛ فبدلاً من أن تقول إنه غبي، قل إنه يفكر بطريقة مختلفة؛ مفرداتك التي تستخدمها حتى في تفكيرك عنه ستجعلك أهدأ بكثير من ناحيته.
وبالمناسبة هذا أمر مهم جدا حتى في كلامك لنفسك عن نفسك أنت؛ الكراهية تدمر حياتك وتملأها مشاعر سلبية وتتحكم فيك، لذا وجه مشاعرك بشكل صحيح وتذكر أن الحب أو الكراهية هي قرارات في يدك أنت.
- رابعاً: ابتسم.
أم أننا نكون سعداء عندما نضحك؟
البيضة أولاً أم الدجاجة؟
الحقيقة أن السعادة ليست علاقة بالظروف، ولكنها شعور تخلقه أنت بنفسك، كما أن هناك من يخلقون التعاسة بأنفسهم، فتجده يشكو من عدم امتلاك المال، وعندما يأتي المال يشكو من أن الناس تحسده على ماله، وشخص آخر ليس عنده أبناء؛ فيتحسر على حاله وعندما يرزق بالأبناء، يسب الإنجاب والهم الذي أصابه بسببه، وهكذا يبحث عن الناقص وينسى كل شيء حسن، لذا اصنا عادتك بنفسك وقدر النعم التي تملكها في كل لحظة واستمتع بها، واسخر من أحزانك وحاول التعامل مع الأمور بخفة وبساطة، بالتأكيد ستحزن في بعض الأوقات لأنك بشر، لكن المهم أن تستطيع التجاوز وتكون لديك إرادة لذلك.
- خامسا: كيف أقول ما أريد أن أقول؟
بالتأكيد: لقد تخيلتهم بمجرد ذكر أسمائهم، وهنا يكمن السر؛ ما حدث طبيعي جداً، فقد تخيل لاوعيك الكلمة بمجرد أن قيلت، والنهي التي قلته في البداية ليس له أي فائدة، لذا عندما تحب أن توصل لشخص ما شيئا، فقل السورة التي تريدها أن تأتي في رأسه وليس العكس؛ فلو قال لك بائع أننا لسنا محتالين ولا سارقين وأسعارنا ليس غالية أبدا؛ ماذا سيحدث؟ غالباً ستشك فيه لكن لو قال لك إن أسعارنا مناسبة، وأهم شيء لدينا هو ثقة العميل؛ فلن تصدقه أيضاً!، لكن هذا أمر آخر.
الخلاصة: أن تستخدم الكلمات الإيجابية التي تريد إيصالها إلى المستمع، آخر شيء وأهم شيء لو كنت تريد جعل كل الناس أن ترضى عنك وتحبك، فالسر يكمن في الـ... في الماذا.. هل تتوقع إجابة؟!، لا توجد إجابة؛ لأنه لا يوجد ما يجعل كل الناس تحبك أو ترضى عنك، ولا يجب أصلا أن يكون هذا هدفاً لك، وعلى قول أحد رجال الأعمال المصريين: "من ليس له أعداء ليس له وجود" لذا يجب أن يكون هدفك أن تكون راضياً عن نفسك، وتستمد تقديرك لذاتك من قيمك، وأعملك لا من نظرة الناس إليك.
تعليقات
إرسال تعليق