يكشف الكتاب استياء المؤلف من كثير من البحوث المعاصرة، التي في سعت لتفسير ظواهر مثل العنف الجماعي والاستعمار والغزو والإمبراطورية والإبادة، ولا تتوغل عميقاً في التاريخ. وتسعى وراء التفسيرات التي تهتم بالطبيعة، أو في الإمبراطوريات الأوروبية في القرن التاسع عشر التي تفسّر لنا حدوث ظواهر مثل العنف الجماعي أو اتخاذها الشكل الذي تتخذه أو سبب بروزها الكبير وانتشارها.
- التناغم بين الإنسان والثدييات:
لذلك يميل المزاج التاريخي للتوحيدية إلى المشاكسة واللجوء الكامن للعنف، طامحاً أو محاولاً استبعاد واضطهاد ومعاقبة ومحو العالم غير التوحيدي.
أما بالتعرّف على القواسم المشتركة بين التعددية والتوحيد، واستكشافها حين يبرران العنف الناشب بين الجماعة الواحدة.
ويركز الكاتب على دراسة ظاهرة الإبادة، وخصوصاً دراسات الإبادة الجديدة المبتكرة والمبدعة التي تطوّرت في أواخر 1990 فصاعداً. حيت لا تطمح هذه الدراسات الى أن تُحدّد بتعريف ضيق أو حصري للإبادة. بل لها اهتمام متجدد بفكر «مؤسس» دراسات الإبادة رفائيل لمكن، الذي اشتق المصطلح في العام 1944، ورأى في دراساته المنشورة وغير المنشورة، توسيع نطاق المفهوم ليستوعب العمليات الطويلة مثل الاستعمار، بالإضافة إلى الأحداث أو الأعمال أو الوقائع الكارثية (التي هي جزء من الاستعمار).
تسعى «دراسات الإبادة الجديدة» كي تكون مُقارنة لاستكشاف العلاقات بين الإبادة وظروف الاستعمار الاستيطاني في تاريخ العالم، وأن تكون منفتحة على مقتربات ومنظورات جديدة.
- العنف والإبادة بين الجماعات.
يُبرهن لَمْكِن على أن الإبادة هي ظاهرة متكرّرة تُعامِل فيها جماعة بشرية جماعةً أخرى، مثلما تحدث جرائم القتل باستمرار في العلاقات بين الأفراد. كان الشعور السائد بعد عقود على حدوث الهولوكوست، بأن يَحُولَ الرعب الذي حدث، من دون ارتكاب جرائم إبادة في المستقبل، فكانت الإبادة أمراً غير وارد حينها. لكن الفترة الأخيرة من القرن العشرين شهدت جرائم إبادة عديدة حدثت في كمبوديا، وفي يوغسلافيا السابقة ورواندا، والإبادة المستمرة التي ترتكبها "إسرائيل" يومياً بحق المواطنين الفلسطينيين الأصليين في فلسطين المحتلة. هذه الجرائم جدّدت أهمية إدراكنا الضروري لبصيرة لَمْكِنْ في قراءة التاريخ البشري: حدثت الإبادة بين الجماعات، وجرائم القتل بين الأفراد دائماً، وسيستمر على الأرجح حدوثها.
- العلاقة بين الإبادة والاستعمار.
وظُفُ المؤلف في كتابه "أصول العنف" عدداً من الأفكار والمفاهيم والمصطلحات التي تقصّى بواسطتها العنف الجماعي. تتضمنُ هذه المفاهيم الإبادة، والاحتلالية (إحلال شعب مكان شعب كما في فلسطين) وعلم الضحية و"الشعب المختار" و"الاستعمار النبيل".
- العنف ونظرية القضاء على الآخر .
الإحلالية supersessionism: هي واحدة من أكثر الاعتقادات ضرراً في تاريخ العالم. وهي النظرة التي تُبيح محو أو إزالة بعض الشعوب، وإحلال شعوب ومجموعات أخرى محلّها، فهي ترى ذاتها وريثة التاريخ الشرعي.
علمُ الضحية victimology: اعتقاد ونصوص سردية تقول إن عمليات الاستعباد والاضطهاد والمعاناة السابقة تبرّر أعمال العنف والغزو والتدمير اللاحقة في بلاد أو جزر أخرى، والموجهة ضد شعوب لا يد لها في عمليات الاستعباد والاضطهاد الأصلية.
الشعب المختار: وهو عقيدة يؤمن بها شعب يدّعي بأنه مبارك من قبل الله أو الآلهة. نظرة الشعب إلى نفسه بوصفه مختاراً هي نظرة مشكوك فيها لأن بإمكان شعب آخر أن يدعي أنه مُختار هو الآخر، من قبل آلهة أخرى. يسود شعورٌ أحياناً بأن شعباً معيناً قد اختير لفترة قصيرة وأنه قد حلّت عليه اللعنة الإلهية، وأن الله أو الآلهة قد ينتخبون شعباً آخر يسمّونه الشعب المختار. يشهد تاريخ البشرية على تنافس مستمر بين الشعوب على أن تكون شعوباً مختارة وعلى أن تُعرف بوصفها كذلك.
أرض الميعاد وهو مفهوم مُلازم ومرتبط بأفكار مثل الشعب المختار وعلم الضحية. تتضمن هذه السرديات المؤثرة، أن شعباً محتلاً من بلاد أخرى، قد عانى من الاضطهاد، وحرقة التشرد والنفي، يسانده إله أبوي، سواء أكان هذا الإله توحيدياً أم تعددياً، ويعينه على إيجاد ملاذ أخير بوساطة غزو بلد آخر واستيطانه. هذا البلد «الجديد» هو وعد الإله الأبوي لهم. حتى وإن كانت تسكن هذا البلد شعوب أصلية مقيمة منذ آلاف السنين أو سابقة لوجوده.
ناقلو الثقافة: culture bearers لقد أخذتُ هذا المفهوم مباشرة من كتاب واسو الأسطورة المؤسسة للحضارة الغربية. يحيل هذا المفهوم على الذين قدموا من بلاد ما مستوطنين وغزاة، والذين يرون أنفسهم ناقلي حضارة وبحيازتهم ما يعدونه معرفة راقية في مجالات الزراعة والمدن والقانون والدين. يعد ناقلو الحضارة هؤلاء أن حضورهم في مكان ما أحرى بعناية الله أو الآلهة للسكان الأصليين أو الشعوب التي تقطن هذه الأرض أو تلك الجزيرة، والتي يُخضعونها من طريق الغزو أو الاستعمار، مما يؤدي، حسب مصطلح لِمْكِنْ إلى الإبادة ولكن يرى ناقلو الثقافة أنفسهم مُسْتَعْمِرين نبلاء.
- مقاربة العنف بين الجماعة الواحدة "الثدييات".
يحاجج الكاتب أن الإبادة كانت ميّزة شائعة في عالمي البحر المتوسط والشرق الأدنى، وهي المنطقة التي نشأت فيها المجتمعات الزراعية التجارية. ولعل جرائم الإبادة التي حدثت في عالم البحر المتوسط، قد أرست السوابق التاريخية التي مهدت لاحقاً لتاريخ الاستعمار الأوروبي في حقبة ما بعد عام 1492. أما في العصور الكلاسيكية، فقد ناقش المؤلف أمثلة عديدة لأعمال الإبادة الفارسية والإغريقية، والتي ذُكرت في كِتابَي التواريخ لهيرودت والحرب البيلوبونيزية لثوسدديس، خصوصاً في تدمير الإثينيين لميلوس في عامي 415 – 416، قبل الميلاد.
يُشكّل هذا التحقيق في الغزو والاستعمار والإمبراطورية والإبادة، الذي شَمَلَ الآف السنوات جزءاً من صياغة مفاهيم القانون الدولي وتطويرها، وتحدياً مستمراً وصريحاً لتاريخه المضطرب والعبثي في أحيانٍ كثيرة؛ وهو التحدي الذي أخذهُ رفائيل لَمْكن على عاتقه في العصر الحديث بجرأة لا تُضاهى في المحاكم الدولية المعاصرة المعنية بالإبادة والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.
- رفائيل لَمْكن مؤرخ المجازر.
أبدى لَمْكن عنايةً كبيرةً في تعريف مصطلح الإبادة بوصفها مركّبةً ومتعددة الجوانب، وذلك عندما اقترح في كتابه مفهوماً جديداً لها، وقد اشتقهُ من الكلمتين الإغريقية genos (عشيرة أو عرق) واللاتينية cide (قتل) (كما ترد في قتل الطاغية، وقتل النفس وقتل ال أخtyrannicide, homicide, fratricide).)
فلا تقتصر الإبادة، بالنسبة للَمْكِن على القتل الجماعي، وإن شملته، ولا ينحصر تنفيذها بمؤسسة أو سلطة حكومية. فتدلُّ الإبادة، في تصوّره، على خطة منسقة من أنشطة مختلفة تهدف إلى تدمير المقوّمات الأساسية لحياة مجتمع ما. تنطوي هذه الأنشطة على اعتبارات ثقافية وسياسية واجتماعية وقانونية وفكرية وروحية واقتصادية وحيوية وفسيولوجية ودينية ونفسية وأخلاقية.
فهو يفرّقُ بدقةٍ بين التغيير الثقافي والإبادة الثقافية، ويؤمنُ بأهمية الأخيرة في عمليات الإبادة. ويشير إلى عدم استقرار العلاقة بين الجلاد والضحية، على مر التاريخ وهناك أمثلة تبرهن على تحوّل ضحايا الإبادة إلى مرتكبي إبادة، وهكذا يُصبحُ ضحايا الأمس جلادي اليوم. وهو يُفضّل خصائص متكررة في الإبادات الجماعية التاريخية مثل التمثيل الجماعي بالأجساد البشرية، والترحيل القسري الذي يحدث في ظروف قاسية غالباً ما تتضمن سوقاً إجبارياً، والاعتداء على حياة البشر، وعزل الذكور عن الإناث منعاً للتكاثر، وانتزاع الأطفال ونقلهم، وتدمير القيادة السياسية والموت الناجم عن المرض والجوع والأوبئة الناجمة عن التنافس على المؤن واكتظاظ معسكرات الاعتقال.
الحرب المدمرة بين البشر تتطلب تكيفات مُسبقةً يمتلكها الشمبانزي كالخوف المتأصل من الغرباء أو كراهيتهم كما أظهرت ذلك هجمات الشمبانزي الشرسة ضدّهم.
كانت تصوّراتُ لَمْكن المتعلقة بالإنسانية والإبادة ذات حدين، فهي متفائلة ومتشائمة. فهو لم ينظر إلى التاريخ البشري بوصفه سرداً للتقدم مذ رأى الإبادة صنواً للتقدم على مرّ التاريخ. ولكنه آمل، على الرغم من ذلك، بقدرة القانون الدولي على منع الإبادة أو الحيلولة دون حدوثها. يجدر بنا أن نُذكّر أنفسنا في هذه المرحلة بالفقرات الرئيسة الخاصة بتعريف الإبادة التي وردت في المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948: في هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:
(أ) قتل أعضاء من الجماعة،
(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطر بأعضاء من الجماعة.
- جين كودال- والإبادة بين عالم الثدييات.
يشير المؤلف الى أن كودال تطرح سؤالاً افتراضياً، هل يمكننا رؤية عدوان عنيف مثل هذا الذي يحدث بين أفراد المجموعة مقدّمة للحرب؟ وتضيفُ بأن الحرب، كما تُعرّفُ عادة، هي سلوك بشري فريد، وهي خصيصةٌ تتميّز بها المجموعات البشرية، وتشمل نزاعاً مسلحاً ومنظماً. في هذه النقطة، تذكرُ كودال مصطلح «الإبادة»: لأن الحرب بين البشر تضمنت تدميراً جماعياً شمل مجموعات دون أخرى، لقد أصبحت جزءاً من التطوّر، ومن «الانتخاب الطبيعي للمجموعة». تشير كودال كذلك إلى الكتابات التخمينية التي تفترض وجود الأشكال الحربية الأولى عند القردة التي تُطلق عليها تسمية "المحاربين الأوائل" هذه الأشكال ذات أهمية كبيرة في تطوير مزايا إنسانية ثمينة، مثل الإيثار والشجاعة والذكاء والتعاون المتزايد والبالغ التعقيد بين أفراد المجموعة الواحدة، وهي مزايا على المجاميع الأخرى مضاهاتها إذا أرادت البقاء. ربما سبّبت الحرب، وفقاً لهذا الفكر التطوري الذي خلق الفجوة الهائلة بين الدماغ البشري ودماغ أقرب الحيوانات إلينا، ألا وهي أشباه الإنسان.
لا توافق كودال فكرة تفرّد البشر في شنّ الحروب، أو هي تودّ على الأقل توسيعها. فهي تشير إلى أن الحرب المدمرة بين البشر تتطلب تكيفات مُسبقةً يمتلكها الشمبانزي أيضاً، ولا تقتصر هذه التكيفات على الخوف المتأصل من الغرباء أو كراهيتهم كما أظهرت ذلك هجمات الشمبانزي الشرسة ضدّهم فحسب، بل تتعداه إلى الحياة المشتركة، ونزعة التمسك بالموطن، ومهارات الصيد التعاونية، واستعمال السلاح، والقابلية الذهنية للمشاركة في وضع الخطط. وتواصل كودال، يُظهرُ الشمبانزي كذلك «خصائص متأصلة» أخرى كانت نافعة «للمُحاربين الأوائل في معاركهم البدائية»؛ فلدى الشمبانزي الفتي «نزوعٌ طبيعيٌ لأن يجد الاعتداء جذاباً»، إلى حد المجازفة بالتحرّش بجيران خطرين بمفرده وتشعر كودال وباستعمال المفردات نفسها، باحتمال وجود النزوع المتأصل لدى ذكور البشرية الأوائل في سعيهم نحو الاعتداء أو استمتاعهم به، وهي خصلة مشتركة بين الإنسان والشمبانزي لعلّها هي التي «وفرت الأسس الحيوية لثقافة تدريب المحاربين» كما تظهرُ لاحقاً في تمجيد المحارب أو الجندي، وذم الجبن، ومكافأة الإقدام والمهارات العسكرية، وممارسة ما يسمّى الرياضة الرجولية في أثناء الطفولة. مع ذلك تؤكد وصول الشمبانزي إلى مرحلة جعلته «يصل إلى مستوى الاقتراف الإنساني نفسه لأعمال التدمير والوحشيّة والنزاع الجماعي المنظم».
- جارد دَيْمَنْد وجذور الإبادة في الفكر الجمعي.
لذا لا يرى جارد دَيْمَند طريقةً بسيطةً لتعريف الإبادة، ولكنّه يجادل في أن «جوهرها «هو» القتل الجمعي». وليس من الضرورة أن تكون الدولة هي الموجّهة لجرائم الإبادة لأن صياغة مثل هذه تستلزم اعتبار الإبادة ظاهرة حديثة تماماً. الأصح القول، يواصل دَيْمَند، بأن الإبادة بين الجماعات البشرية قد بدأت منذ ملايين السنين حين كان الإنسان مجرد حيوان ثديي ضخم. وهو يعتقد أن الدافع الأكثر شيوعاً لارتكاب جرائم الإبادة تاريخياً يحدث في أثناء النزاعات حول المجال الحيوي lebensraum، «عندما يحاول شعب قوي عسكرياً احتلال أرض شعب أضعف منه، ولكن الشعب الأخير يقاوم هذا الاحتلال».
- الإبادة متأصلة منذ العالم القديم.
- نماذج من الإبادة في الحرب البيلوبونيزية.
- جمهورية أفلاطون.
- جمهورية شيشرون.
- علم الضحية في السرديات القديمة والحديثة.
علم الضحيّة والعنف الإبادي: سفر الخروج والإنيادة إن التشابهات السردية بين هاتين القصتين الأسطوريتين مُذهلة. فسِفْرُ الخروج والإنيادة يرويان الحكاية المرعبة لشعبين تعرّض وجودهما التاريخي الطويل في بلدهما الأصلي للدمار، من قبل الفرعون في مصر بالنسبة إلى بني إسرائيل، ومن قبل الإغريق في طروادة بقيادة أجاممنون ويولسيس بالنسبة إلى الطرواديين، ويُعد يولسيس رمزاً للكراهية.
يُعطي سفر يوشع انطباعاً بأن يوشع وجيشه نجحا في سحق ملوك كنعان والاستيلاء على مدنهم وأراضيهم، يقدّمُ سِفْر القضاة صورةً مختلفة. ففيه لم يُطرد الكنعانيون من بعض المدن، وفي بعض المناطق لم يستطع بنو إسرائيل إخراجهم من الوادي فنجا الكنعانيون في مناطق متعدّدة وعاشوا إلى جانب بني إسرائيل. وبعد موت يوشع قام بنو يهوذا بقتل عدد من الكنعانيين والفريسيين، وكما دمّر الإغريق طروادة، دمّروا أورشليم: «وهاجم بنو يهوذا أورشليم، واستولوا عليها، وضربوها بحد السيف، وأشعلوا فيها الحرائق». ولكن الغزو لم يكتمل بعد. لذا أعان الربّ بني يهوذا لإخراج سكان الجبال، ولكنهم لم يتمكنوا من طرد سكان الوادي. عندما اشتدت «قوّة» بني إسرائيل في البلاد الجديدة، فرضوا على الكنعانيين (السكان الأصليين في فلسطين وبلاد الشام) أعمال السُّخْرَة ولم يطردوهم»، وأصبح بنو أشير والأموريون عمّالاً سخرة أيضاً. فبدلاً من تصفية الكنعانيين كما حدث في سفر يوشع، جرى إخضاعهم وتحويلهم إلى عمّال سُخرة، أو إلى حال مشابهة للعبودية.
يختتم المؤلف سرديته التاريخية، تُبرّر "إسرائيل" الصهيونية المُعاصرة، في منتصف القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين في ضوء قصص الكتاب المقدس، فتُمثل مزيجاً قلقاً ومضطرباً لكلا إجرائي الإبادة كما يصفهما لَمْكن، وهذا ما يفسر وصول الباحثين المعاصرين لأسباب متنوعة من خلالها ويصفون "دولة إسرائيل" الحديثة، دولة إبادة أو في طريقها إلى أن تُصبح كذلك. يطلقُ باروخ كيمَرْلِنغ تسمية «الإبادة السياسية» حين يتحدث عن تدمير حياة الفلسطينيين السياسية الوطنية. لقد ذكرتُ تعريف لَمْكِنْ الوارد في كتاب حكم المحور الذي يربط بين الإبادة والاستعمار، وذلك للإشارة الى أن إسرائيل مستوطنة استعمارية إباديّة، تسعى لخفض عدد السكان الفلسطينيين وتبديلهم بمستوطنين إن استطاعت. لذا أطلق إيلان بابيه مصطلحات مثل التطهير العرقي والإبادة المدينية، وإبادة الذاكرة عندما وصف محاولة "إسرائيل" المتواصلة سحق المجتمع الفلسطيني وهويته.
وبطريقة مشابهة فبنو إسرائيل في القصص التوراتية، الذين عانوا الاضطهاد والظلم في مصر، لم يعزموا على وجوب نبذهم للعنف والاضطهاد والظلم في علاقتهم بالشعوب الأخرى، كما حدث في أرض كنعان ويتكرّر هذا على نحو مماثل مع الصهيونية المعاصرة. فالصهاينة الذين أسّسوا دولة إسرائيل الحديثة عام 1948 وسيطروا منذ ذلك الوقت على تفكير المنظمات والجاليات اليهودية في جميع أرجاء العالم، لم يتعلّموا درساً تاريخياً من الهولوكوست، وهو أن على الشعوب المختلفة أن تتعايش وتتشارك سياسياً ويتعلّم بعضها من بعض، وأن تكون كونية وعالمية. ولم يعيروا اللاعنف أي اهتمام، كما عند غاندي، أو جوزيفوس، في تراثهم اليهودي.
تعليقات
إرسال تعليق