لمن هذا الكتاب؟
لدارسي العلوم السياسية. للمهتمين بمعرفة أنظمة الحُكم. لمُحبي علم الاجتماع السياسي. للراغبين في فهم السياسات الدولية.
معلومات عن المؤلف:
كارل بيكمان Karel Beckman: كاتب وصحفي، عمل بجريدة "الموارد المالية" الألمانية ومحرِّر بصحيفة "إنيرچي بوست
". فرانك كارستن Frank Karsten: كاتب ومؤسس معهد "ميزس"، له العديد من الأحاديث المصوَّرة عن الدولة وتدخُّلها في حياة المواطنين. من أهم أعمالهما: De Staat Voorbij Beyond Democracy
- شِعارات رنَّانة لكن كاذبة!
وفي أغلب الأحيان يتخلَّى المرشحون عن وعودهم الانتخابية ولا يحقِّقون منها شيئًا وأقصى ما تُمكنك الديمقراطية من فعله أن تجعلك قادرًا على أن تُدلي بصوتك مرة ثانية بعد أربع سنوات، رغم أنك من الممكن أن تكون رافضًا للقرار الذي يُتخذ نيابةً عنك من الأساس مثل القيام بحربٍ ما، أو إعانة دولة أخرى ماديًّا أو عسكريًّا، أو رفع سنِّ التقاعد، أو تغيير المنظومة التعليمية.. إلى آخره.
المثير للدهشة حقًّا أن كثيرًا من الناس أصبحوا يعتقدون أن المشاركة في الانتخابات والاستفتاءات هي واجب أخلاقي إذا لم تفعله لا يحق لك أن تعترض أو توضح رأيك المخالف في أي مسألة سياسية أو اقتصادية، وحقيقة الأمر أن هؤلاء الذين لم يشاركوا يرفضون تصديق الوهم الذي تبيعه الديمقراطية للشعوب.
- أنواع الديمقراطية:
لكن يوضح الكاتب أن هذه الحُجة باطلة منطقيًّا لأنه إذا صح ادعاؤهم بنقص الخبرة والدراية، فنفس الشيء أيضًا لدى الشعب غير المؤهل عقليًّا لفَهم البرامج الانتخابية المعقدة لمختلف المرشحين والسياسيين، بل الأبعد من ذلك أن نتساءل ما الضمان لكون السياسيين على خبرة ودراية وذكاء بكل ما يحتاج إليه العمل السياسي؟ لا شيء، فمن الممكن أن يكون المرشح لا يفقه شيئًا ولأن الأغلبية اختارته أصبح ممثلًا عن الشعب ويحق له أن يُدلي بدلوه في قرارات الحروب والموازنة العامة والقرارات السياسية الكبرى.
لذا يبدو في الواقع أن الديمقراطية ليست حكم الشعب لنفسه، بل على العكس تمامًا هي وسيلة لتحجيم آرائه وتمكين الحكام من سلطانهم ونفوذهم أضعافًا مُضاعفة، وقد يبدو للقاصي والداني أن نتائج الديمقراطية هي النتائج التي يريدها الناس أو على الأقل الأغلبية حتى ولو كانت نتائج سيئة فيقال إنها بسبب اختياراتهم، أما على أرض الواقع فالأمور تختلف!
- مكتسبات الديمقراطية بين الواقع والخيال:
إن الازدهار في البلاد الديمقراطية ليس له علاقة سببية مع الديمقراطية، بل على العكس تمامًا، فيجب أن يُقال مثلًا إن البلاد الغربية مزدهرة ومتقدمة على الرغم من الديمقراطية، وذلك بسبب طبيعة تلك البلاد الليبرالية القديمة فكانت وما زالت هناك بعض الحريات القليلة التي لا تتدخَّل فيها الدولة حتى الآن لكن بهذا المعدل، من المتوقَّع أن تتحكَّم الحكومة في كل شيء، كذلك الدليل الثاني على عدم وجود علاقة تدعيم بين الديمقراطية والازدهار أن هناك بلادًا أخرى كدول الخليج وسنغافورة، على سبيل المثال، ليس بها ديمقراطية ولكنها دول ثريَّة ومزدهرة، ومن المؤسف القول إن هذا الازدهار في ظل الديمقراطية مهدد بالزوال دائمًا وأبدًا.
- الديمقراطية من منظور اجتماعي.
بل على العكس تمامًا هذا يؤدي إلى علاقات عدائية وتناحر بين الفئات المختلفة، وفي أغلب الأحيان يفشل السياسيون في تحقيق الشعارات التي نجحوا في الانتخابات على أساسها مِثل (نعم نستطيع) وغيرها، والحل يكمن في إعطاء كل فرد من أفراد المجتمع الحق في تقرير أموره بنفسه وعدم إجباره تحت مسمى الديمقراطية على مسار معين، فلا يجوز أن يتم اختيار نظام التعليم، على سبيل المثال، ديمقراطيًّا، فهذا أمر يحتاج إلى أن يشارك أعضاء المنظومة في تحديد شكل وهيكل التعليم في البلاد.
وقد أصبحت الديمقراطية أداة لهدم روح المجتمع وليس تنمية الإحساس بها، والناس أصبحوا معتمدين اعتمادًا كليًّا على الحكومة في كل شيء، وصار هناك تنصُّل من المسؤولية الشخصية والمساعدات الاجتماعية، ما أدى إلى غياب كثير من القيم الاجتماعية المكتسبة بطبعها من سلوك الأفراد بعضهم مع بعض مثل التعاون والمشاركة، حتى مظاهر اجتماع الناس كإنشاء الأندية الرياضية أو المنظمات الثقافية، وقد أصبح الناس يسعون إلى الحصول على دعم مادي ومنح حكومية لإنشاء هذه الأندية ومصدر هذه الأموال هي الضرائب بالطبع، وبالتالي يدفع كل مواطن من أجل بناء نادٍ رياضي لممارسة هواية لا يُفضلها ويشعر الناس بالإجبار على أشياء لا يريدونها، فكان من المفترض أن يتشارك مجموعة من سكان مدينة ما ماديًّا ومعنويًّا في بناء هذا المكان الاجتماعي، وحينها يشعر الجميع بمسؤوليته تجاه مجتمعه والأفراد المحيطين به، وبالتالي نستنتج الفارق الجوهري بين الديمقراطية والمجتمع الحقيقي وهو الإجبار والاختيار.
- أزمات الديمقراطية:
إن الديمقراطية هي المحرك الأول لحالة اللاسلام بين الدول، إذ يتم استخدامها دائمًا كغطاء للتدخُّلات العسكرية لأغراض مختلفة سواء اقتصادية أم سياسية، ومُعظم المنح والإعانات تذهب إلى التنظيمات الخاصة الموالية للحكومة، وهذا يكون إما نتيجة ضغط من هذه المنظمات وإما مكافأة من الحكومة لهم على الوقوف معهم في أثناء الانتخابات فتكون تلك الإعانات ثمرة التأييد وشحن الناس للتصويت لهم؛ ومن أكثر العيوب انتشارًا هي ثقافة اللامسؤولية الفردية والاعتماد على الحكومة في شتى تفاصيل الحياة؛ فأصبحت وسيلة مواجهة أي مشكلة هي تقديم طلب ورفعه إلى الحكومة لحل الأزمة، فمثلًا إذا كان الشباب بلا وظائف فإنهم ينتظرون الحكومة لخلق فرص عمل، إذا سقطت طائرة أو اصطدم قطاران فينتظرون من الحكومة ملاحقة المتسبِّبين وصرف إعانات شهرية للمصابين وأسَر الضحايا وتأكيد عدم تكرار مثل هذه الحوادث مرة أخرى، فهي أزمة ضخمة بالفعل ويجب أن تعتمد اعتمادًا كليًّا على الدولة؛ أما عن السياسيين فهم لا يواجهون الناس بالحقائق ومدى قدراتهم وإمكانياتهم على تلبية كل هذه المطالب المتزايدة من الناس، فدائمًا يفعلون ما تُمليه البيروقراطية عليهم مثل إنشاء قواعد وأنظمة ووضع خطط ولجان للإشراف على تطبيق القواعد والقوانين وتحديد ميزانية جديدة باعتبار أن المال هو الحلُّ لكل المشكلات وهو ليس كذلك.
- خطايا الديمقراطية:
ويأتي بعدها الطفيلية، ويقصد بها تلك المجموعة التي تدير الشركات والمؤسسات والتي تعتمد اعتمادًا فجًّا على أموال الحكومة سواء أكانت ضمن القطاع الخاص أم مؤسسات ثقافية أم بيئية مدعومة، ثم جنون العظمة، فعندما تطلق الحكومة مرارًا وتكرارًا مشاريع ضخمة لتشتيت الرأي العام المُحبط من سياسات الحكومة الفاشلة وعدم قدرتها على تغيير الواقع، تكون نتيجة المشاريع غير المدروسة المزيد من العجز المالي وزيادة الديون، وبعد ذلك تأتي ثقافة عدم الرضا، وهي طبيعة دائمًا منتشرة في المجتمعات الديمقراطية فإذا شعرت فئة ما بأنها ظُلمت في أمرٍ معين، تنظم الاحتجاجات والمظاهرات وتدخل في إضراب عن العمل مما يسبب الإحباط الدائم لجميع الأفراد.
والخطيئة الأخيرة هي قِصَر المدى، فدائمًا ما تكون الخطط الحكومية قصيرة المدى، وذلك بسبب طبيعة السياسيين وأهدافهم، فهدفهم الأول ليس إنجاز هذا المشروع أو بناء هذه المدرسة، بل الهدف هو إعادة انتخابهم، وبالتالي يتكيَّفون مع ذلك الهدف السامي بالنسبة إليهم ولا يفكرون إلا فيما سينجزونه في السنوات الأربع المقبلة فقط فلا يتم تحقيق النهضة الحقيقية.
- هل للديمقراطية بديل؟
لكن هل هناك بديل للديمقراطية من الأساس يُمكن أن يُطبَّق؟ بالطبع يوجد، ولكن بالتدريج، بَدءًا من تقليل دور الحكومة إلى أقل قدر ممكن وعدم إجبار الناس على أنظمة تعليمية وصحية معينة أو اتخاذ القرارات نيابةً عنهم، بل يجب إعطاء الناس الحرية الكاملة في التحكم في حياتهم دون هذا القدر من الإجبار، فإذا أخذنا التعليم مثالًا، فالكلُّ يريد تعليمًا أفضل بلا شك، لكننا لا نحصل على تعليم أفضل.. وما نحصل عليه هو مُدرسون مرهقون وعنفًا في المدارس، وجودة تعليم سيئة، والسبب في ذلك هو الديمقراطية التي تسهم في جعل التعليم يُدار من خلال السياسيين والبيروقراطيين بعقلياتهم العقيمة التي لا تمتلئ إلا بالعمل الإداري والأوراق والمستندات.
فإذا كانت الأوراق سليمة إذًا فكل شيء على ما يُرام، فهؤلاء السياسيون يسيطرون على كل تفصيلة في التعليم، يحددون كيف يتم تنظيم التعليم وما ميزانيته، ويتم تقليص دور الأهالي والمُعلمين والطلاب (عناصر المنظومة)، كل ما تُصدره الحكومة هو مجرد خطط ومتطلبات وقواعد وأنظمة والنتيجة لا شيء، لذلك العلاج يكمن في التمكين؛ تمكين المُعلمين وأولياء الأمور والطلاب في تشكيل النظام المناسب وتحديد معالمه.
- سوق الحُكم:
لكن يظلُّ التساؤل هل سيقبل الناس بمثل هذا النظام الجديد الأكثر حرية؟ هل هم مستعدون للحرية من الأساس؟ تبدو هذه مشكلة حينما تحاول إقناع الناس بأن أي مجتمع ليس بحاجة إلى حكومة أو سياسيين، وأنهم هم سبب التخلُّف والركود، وأن من حق كلّ إنسان أن يقرِّر كل ما يخصُّ حياته.
من الممكن أن يأخذ هذا وقتًا للإقناع لكنه مثل التحول الذي حدث من كل الأنظمة التي انهارت قديمًا مثل الشيوعية والفاشية، وكل فكرة تحتاج إلى بعض الوقت لطرحها على الناس وبعض الوقت لإثباتها ووقت آخر لزرعها في العقول، لأنه يستحيل أن تكون طريقة مواجهة كل هذه الأزمات التي سبَّبتها الديمقراطية هي مزيد من الديمقراطية!
- وختاماً:
إن الدافع الذي يقود أي فرد هو المصالح الفردية الخاصة، وبالتالي فإن الأغلبية ليست على حق وكل يسعى وراء طموحاته وأماله حتى ولو على حساب الآخرين.
تعليقات
إرسال تعليق