- 1- سلوك الفقر والفقراء.. محير.
هل إنجابهم الكثير من الأطفال يجعلهم أكثر فقرًا؟
لماذا يحتاج الفقراء إلى الاقتراض فقط من أجل الادخار؟
لماذا يقوم رجل في المغرب لا يملك ما يكفيه من الطعام بشراء جهاز تلفزيون؟
لماذا يصعب على الأطفال في المناطق الفقيرة التعلم حتى عندما يذهبون إلى المدرسة؟
لماذا ينفق أشد الناس فقرًا في ولاية ماهاراشترا الهندية 7% من ميزانياتهم الغذائية على السكر؟
لماذا يحصل المزارعين منهم على العديد من الأسمدة والمحسنات الزراعية ولكنهم لا يزرعون أي منها؟ لماذا لا يُقبل الفقراء على تعاطي التطعيمات المجانية المنقذة للحياة، لكنهم يدفعون ثمن الأدوية التي لا يحتاجونها؟
- 2- اقتصاديات الفقر.. كتابٌ للجميع بعيدًا عن حمّى المصطلحات.
وقد نشر كتاب اقتصاديات الفقر لأول مرة عام 2010، في محاولة للتنوير والدراية، بعيدًا تمامًا عن التوقعات التي قد ترافق أي كتاب اقتصادي؛ فهو لا يعج بالمصطلحات والرسومات البيانية المعقدة، ليُعد بذلك أحد أفضل الكتب الاقتصادية الشعبية أو ما يُعرف بالـ pop-economics books، التي قرأتها منذ وقت طويل؛ بعدما كسر كل هذه الكليشيهات والتعميمات والنظريات الجامدة التي تدور حولها في العادة كتب الاقتصاد.
ما يجعل كتاب اقتصاديات الفقر مثيرًا للاهتمام وجذاب، هو طرحه معضلة الفقر وتعقيداتها وخطورتها من منظور مختلف تمامًا عن جميع الأطروحات التي سبقته، ما جعله موصىً به لأي شخص لديه مصلحة في تجاوز العالم لمعضلة الفقر، بتقديمه فهمًا واضحًا على أرض الواقع للسياسات والحلول حسنة النية التي تعمل على رفاهية المعدمين اقتصاديًا، فيقول فيه المؤلفان:
«إن الإفلات من براثن الفقر ليس بالأمر السھل، لكن الإحساس بإمكانية ذلك عندما يترافق مع قدر قليل من المساعدات الموجھة صوب وجھتھا السديدة، مثل: معلومة أو محفز بسیط، يمكنه أحیانًا أن يحقق نتائج كبيرة ومدھشة»فقد قدم بين طياته دليلًا حيويًّا لواضعي السياسات والمحسنين والناشطين، وأي شخص آخر يهتم ببناء عالم خالٍ من الفقر. يبدأ بأن خلق عالم خالٍ من الفقر يبدأ بفهم القرارات اليومية التي تواجه الفقراء، ويقدم إعادة نظر جذرية في اقتصاديات الفقر، وصورة عن قرب للحياة بـ 99 سنتًا في اليوم، ويختتم بملاحظة إيجابية مفادها أننا جميعًا جزءٌ من الحل.
- 3- البحث عن حلول للفقر بين أزقة الفقراء.
فتعتمد منهجيتهما المستحدثة في مجال اقتصاد الفقراء على تفسير ومعالجة مشكلة الفقر العالمي عبر تقسيمها إلى عددٍ من الأسئلة الأصغر -ولكن الأكثر دقة وصحة وذات صلة- على المستوى الفردي أو الجماعي، ثم يجيبان على كل واحد منها باستخدام تجربة ميدانية مصممة خصيصًا لها.
باختصار، إنه عملهما ينطوي على تقسيم وتصغير هذه المشكلة إلى عدة أسئلة أصغر وأكثر دقة وقابلية للإدارة، حتى تتم الإجابة عليها بشكلٍ أفضل من خلال تجارب ميدانية على أرض الواقع، مصممة بعناية لتستهدف بشكلٍ مباشر الأشخاص الأكثر تضررًا وتأثيرًا.
وعن ذلك يقول الثنائي :
«إننا أكاديميان، وكما ھو حال معظم الأكاديميين، فإن عملنا ھو صیاغة النظريات وإمعان النظر في البیانات. ولكن طبيعة العمل الذي اضطلعنا به كان يعني أننا أمضينا أيضًا شھورًا، وعلى مدى سنوات طويلة، ونحن نعمل على الأرض مع نشطاء من منظمات غير حكومیة وموظفين حكوميين وعاملين في القطاع الصحي ومانحي القروض متناھیة الصغر. وقد قادنا ذلك إلى الأزقة الضيقة حیث يعيش الفقراء حتى نطرح الأسئلة ونفتش عن البیانات»فمن خلال عملهما، يؤكد الثنائي «أبهيجيت بانيرجي» و«إستير دوفلو» على أهمية جمع المعلومات، والتحدث إلى الفقراء، واستكشاف ماهية هذا الأمر الذي يجعل من الصعب عليهم زيادة دخلهم، وفي أثناء ذلك يتم إجراء بعض دراسات الحالة والتجارب الرائعة محاولة لمساعدة الفقراء، في تخطي الفشل الذي شهدوه.
عن طريق دراسة دقيقة لمجموعة غنية جدًا من الأدلة، بما في ذلك مئات التجارب المُعاشة ذات الشواهد التي ابتكرها مختبر «بانيرجي» و«دوفلو»، فإنهما يوضحان لماذا ينتهي الفقراء، رغم رغبتهم وقدراتهم مثل أي شخصٍ آخر، بحياة مختلفةٍ تمامًا.
ويتلخص كل ذلك في إعداد الأشخاص المنكوبين بالفقر، ومساعدتهم على فهم حقوقهم وقوتهم وإمكاناتهم وخيارات أدوات الحياة التي تمكنهم من الحياة بشكل أفضل.
ويؤكد المؤلفان فيه على ضرورة التخلي عن عادة اختزال الفقراء في شخوص كرتونية، والعمل جديًا على بذل ما في وسعنا لفھم حیاتهم فھمًا حقیقیًا بكل ما يكتنفھا من تعقیدات وما تتسم به من ثراء.
حيث يساعد المؤلفان في فهم كيف يفكر الفقراء حقًا، وكيف يتخذون قرارات بشأن مسائل شتى، مثل: التعليم والرعاية الصحية والمدخرات وريادة الأعمال ومجموعة متنوعة من القضايا الأخرى، ويستخلصان بعض الدروس البسيطة لكنها قوية، ويعتقدان أن التغييرات الصغيرة يمكن أن يكون لها تأثيرات كبيرة،
وعليه، يقول المؤلفان في مقدمة كتابهم عن اقتصاديات الفقر وما يستتبعه:
«في الغالب الأعم، يتم الخلط بين اقتصاد الفقر واقتصاد الفقراء: فلأن الفقراء لا يملكون إلا النذر الیسیر، فإنه يُفترض أنه ليس ثمة ما يسترعي الانتباه في وجودھم الاقتصادي. ولسوء الحظ، فإن سوء الفھم ھذا ھو ما يقوّض تمامًا جھود الحرب على الفقر العالمي، وذلك أن المشكلات البسيطة تُولِّد حلولًا بسیطة. إن مضمار سياسات مكافحة الفقر مفروشٌ بفُتات معجزاتٍ لحظیة ثبت أنھا لم تَرْقَ إلى مستوى الإعجاز الحقيقي»
- 4- تغييرات صغيرة تدفع للأمام.
البشر لديهم ميل نحو الاعتقاد في أن التغييرات الجوهرية الكبيرة هي ما تحقق النتائج المتمناه بصورة كبيرة. لكن المؤلفان يعتقدان العكس تمامًا، فتحسين حياة الفقراء بشكلٍ ثابت ومتسق عبر إجراء سلسلة من التغييرات الصغيرة، التي لا تتطلب معارك سياسية كبيرة، أو تغيير هياكل التمويل بشكلٍ كبير، وذلك في عدة مجالات مختلفة، هي ما يسهم في حل المشكلة.
يقدم الكتاب نظرة متفائلة بشأن تحسين حياة وأوضاع الفقراء حول العالم، فمع أنه قد لا تكون هناك حلول كبيرة سهلة لهذه المشكلة، لكن هناك العديد من الطرق لجعل حياة الناس أفضل، عبر التغيير البطيء للمواقف التي علقوا بها. بشكل عام، يحمل كتاب «اقتصاد الفقراء» رسالة تبعث على الأمل في مجال السياسة والعدالة العالمية التي نحتاجها بشدة.
رغم أن هذا الكتاب غير منظم إلى حدٍّ ما في بعض الأحيان، إلّا أنّه لديه قدر كبير من التعاطف مع الصعوبات التي يواجهها أشد الناس فقرًا في العالم، والصعوبة المذهلة في محاولة تخفيف وطأة الفقر على حياتهم. ولكن دعنا نكون منصفين، هذه محاولة لتقديم بحث اقتصادي معقد إلى جمهور عام غير متخصص. لذلك، فإن المؤلفان يستحقان الشكر.
وفي النهاية، يمكننا تلخيص جوهر كتاب «اقتصاد الفقراء» لـ «أبهيجيت بانيرجي» و«إستير دوفلو» في ضرورة النزول لأرض الواقع والتعامل الفعال مع الفقراء لفهم حقيقة حياتهم، بكل تعقيداتها ومأزقها، حتى يتسنى لنا الحل.
إذا كنت تشعر باليأس من الطبيعة العصيبة للفقر حول العالم، فهذا كتاب يمنحك الأمل.
تعليقات
إرسال تعليق