القائمة الرئيسية

الصفحات

لماذا نكبر ولماذا نحلم؟ وأهم ما تعلمناه من الرواية | ملخص رواية الامير الصغير



تعتبر رواية “الأمير الصغير-Le Petit Prince” للكاتب والطّيار الفرنسي “أنطوان دو سانت إكزوبيري– Antoine de Saint-Exupéry” واحدةً من أشهر الروايات الفرنسية وأكثرها ترجمةً على الإطلاق.
نُشِرت الرواية لأوّل مرّة سنة 1943 في نيويورك، ولاقت منذ ذلك الحين رواجًا هائلًا بين النّاس من مختلف الأعمار، وتُرجِمت إلى أكثر من 300 لغة، وتمّ عرض قصّتها في الأفلام والرسوم المتحرّكة والقصص المصوّرة، كما تدرّس هذه الرواية في المقرّرات الدراسية للأطفال وفي الجامعات.

رواية “الأمير الصغير” تنتمي إلى أدب الأطفال، لكنّها في الحقيقة عملٌ فلسفي خفيف، مليء بالرّسائل والعِبر التي قد تغيّر نظرة القارئ إلى الكثير من نواحي الحياة.
تتحدّث القصّة عن “رجل كبير” يمارس مهنة قيادة الطائرة، تتعرّض طائرته إلى خلل تقني فيضطر إلى قضاء عدّة أيام في الصحراء لمحاولة إصلاح العُطل، وهناك يلتقي بِـ “الأمير الصغير”، وهو فتى أشقرُ الشعرِ قادمٌ من الكُوَيكِب B-612. يحكي هذا الطفل عبر الكتاب قصصًا مختلفة عن كوكبه، رحلاته عبر الكواكب، الأصدقاء الذين تعرّف عليهم، والانطباعات التي راودته خلال الرّحلة.

  • أهمّ المعاني التي يقدّمها الكتاب
يقول الكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانغويل في كتابه “فنّ القراءة”:
الأدب كما يعرف جميعنا جيّدًا لا يقدّم حلولًا بل يطرح أحجية. هو قادر في رواية قصّة على الجهر بتعقيدات لا نهائيّة لمسألة أخلاقية، ويمنحنا شعورًا باكتسابنا حدًّا معينًا من الإدراك الذي نفهم به العالم بشكلٍ أفضل.

  • كيف تسقط منّا الطفولة؟
الفكرة الأساسية التي يتمحْوَر حولها نصّ الرواية هي: “الفجوة بين الأطفال والكبار”، أي كيف أنّ “الكبار” الذين كانوا يومًا ما أطفالًا يتركون وراءهم الطفولة، ويصيرون غرباء عنها، ويكبرون بذلك إلى الأبد، ممّا يخلق هُوَّة سحيقة بينهم وبين الأطفال.

يحاول أنطوان دو سانت إكزوبيري من خلال هذا النّص أن يُذكّر الكبار بملامح الشخصية الطّفولية، علّهم يستعيدون شيئًا منها، ويركّز في سبيل ذلك على النقاط التالية:

الخيال:
يعيب الكاتب على الكبار فَقدَهم للقدرة على “الخيال”، بحيث سرعان ما يقفلون على أنفسهم داخل علب مربّعة الأبعاد، يؤطّرون أفكارهم ومعتقداتهم وحياتهم على حسابها، يمارسون نفس الروتين ويستهلكون نفس الأفكار باستمرار.. يقول الكاتب -بتصرّف-:

إذا قلت للكبار: “الدّليل على وجود الأمير الصغير هو أنّه كان مبهجًا، وكان يضحك، وكان يريد خروفًا. عندما يريد أحدهم خروفًا، فهذا يعني بالضرورة أنّه موجود”، عندئذ سيهزّ الكبار أكتافهم ويعاملونك كطفل.

أمّا إذا أخبرتهم بأنّ: “الكوكب الذي أتى منه الأمير الصغير هو الكويكب B-612″، عندئذ سيقتنعون، وسيتوقّفون عن طرح الأسئلة المزعجة. هكذا هم الكبار.

الحلم:
يحكي الكاتب في بداية القصة تجربته القصيرة مع الرسم، وكيف أنّ الكبار لم يفهموا محاولاته الأولى ونصحوه بالتوقّف عن الخربشة والاهتمام بدل ذلك بالأمور “المهمّة”، فتوقّفت بذلك رحلته مع الألوان. يقول: الكبار نصحوني بأن أضع جانبًا الرسومات عن ثعابين الكوبرا المفتوحة أو المغلقة، وبأن أهتمّ بالجغرافيا، والتاريخ، أو الحساب والنّحو.

وبهذه الطريقة، تخلّيتُ عندما كان عمري 6 سنوات عن مسيرة رسم رائعة.
لو كان أحد هؤلاء الكبار يملك من “القدرة على الحلم” ما يكفي، لوجد في موهبة الطفل ما يدعو إلى التشجيع، ولرأي فيها بذرةً لفنّان مبدع في المستقبل، ولمضي الأمر بشكلٍ مختلف تمامًا.

في غالب الأحيان، يرجع استهزاء الكبار من أحلام الأطفال والمراهقين إلى التجارب السيّئة والعراقيل الكثيرة التي مرّوا بها وأخمدَت فيهم شرارة الأمل والممكن.. لكن هل يجوز أن تقتل الحلم في شخص آخر لمجرّد أنّ الحلم داخلك قد مات؟

  • ماذا سَيَكسِر أوهامَنا؟
الوقوف أمام الذّات:

أثناء زيارته لعدد من الكواكب، تعرّف الأمير الصغير على عدد من الشخصيات، تعيش كل واحدة منها وحيدة على كوكيب صغير جدًا، من بينها: مَلِك يؤمن بأنّه يحكم كل شيء حتى النجوم والمجرّات البعيدة، ومهرّج متلهّف للإعجاب والتصفيق، وسكّير يشرب الخمر للهروب من عار شرب الخمر، ورجل أعمال يمضي كلّ وقته في حساب عدد النجوم لأنّه يعتقد أنّها ملكه، وباحث في الجغرافيا لم يخرج يومًا من مكتبه؛ رغم الاختلاف الظاهري بين هؤلاء الأفراد، إلاّ أنّهم جميعًا يشتركون في صفة واحدة: “انعدام الفائدة”، لا أحد منهم يقوم بشيء مفيد لنفسه أو للآخرين، لا أحد منهم يبذل وقته في سبيل غاية مُقنعة، كلّهم عَبَدة لأمراض نفسية (مرض السُّلطة، الغرور، الإدمان، الطّمع..)، منغلقون في عالمهم الصغير داخل قوقعة متعفّنة من الانطواء على الذات.

لو أنّ واحدًا من هؤلاء وقف أمام نفسه بصدق، ووضع طريقة تفكيره أمام الامتحان بصدق، لاكتشف مدى عبثيّة الأسلوب الذي يقضي به حياته.. وربّما، هذا ما يجب أن يفعله كلّ واحد منّا أيضًا! أن نقف أمام ذواتنا لنحاول تقييم أنفسنا بكل موضوعية، وتحديد ما إذا كان وجودنا على هذا الكوكب يجلب نفعًا لنا و/أو للآخرين، أم أنّنا نعيش فقط في دائرة مغلقة من الفراغ الوجودي.

الحياة ضدّ التّيار:
الأمر على كوكب الأرض لم يكن مختلفًا جدًا على ما كان عليه في الكواكب الأخرى التي مرّ بها الأمير الصغير، والمشكل هو نفسه تقريبًا: الحياة دون جدوى، دون معنى، دون هدف.. وعندما نتحدّث عن المعنى والهدف فنحن نقصد الأمر الذي تستيقظ كلّ صباح وأنت مستعدّ لكي تمارسه بكلّ طاقتك، وتبذل من أجله جهدك ووقتك وأنت مقتنع تمامًا بأهمّية ذلك العمل ونفعه وجدواه، أي أن تنجو من “العبثيّة في الحياة”.

“العبثيّة” تكون أيضًا باتّباع الإرشادات والطّرق الجاهزة واستهلاك الأفكار النّمطية دون تفكير حقيقي في مدى صحّة أيّ منها، كأن تختار الطّب فقط لأنّ هذه الشّعبة موجّهة للمتفوّقين، أو أن تشتري ثيابًا جديدة فقط لأنّها على الموضة مع أنّ لديك ما يكفيك، أو بكلّ بساطة أن تكون فكرة النجاح مرتبطة لديك بالسيّارة الفاخرة والسّفر المتواصل والعيش الرّغيد، مع أنّ هذه الفكرة خاطئة تماما لأنّ نسبة الانتحار و قويّة بين المشاهير وأثرياء العالم، وتعريف النجاح الحقيقي الذي يجلب السعادة والرّضا لصاحبه يُفترض أن يختلف من شخصٍ لآخر.

في حوار للأمير الصغير مع أحد المسؤولين عن القطارات، يسأل:
– ماذا تفعل هنا؟
– أقسّم الرّكاب إلى دُفعات تحتوي كل واحدة منها على ألف، وأرسل القطارات التي تأخذهم تارة إلى اليمين وتارة إلى الشمال.
– يبدو الرّكاب مستعجلين، عن ماذا يبحثون؟
– لا أحد منهم يدري.
– لم يكونوا سعداء في المكان الذي كانوا فيه؟
– لا أحد سعيد في المكان الذي هو فيه.
– هل يلحقون بالدّفعة الأولى من الرّكاب؟
= لا، لا أحد منهم يسعى نحو أيّ شيء.
أليس هذا هو قمّة العبثيّة؟

الكثير من الكتّاب تحدّثوا باستطالة عن الخطر المزدوج المتمثّل في:
سعي السلطات والقوى الاقتصادية العظمى إلى قَولبة الناس جميعًا في قالب واحد، وتجميد تفكيرهم وجعلهم نُسَخًا متطابقة يسهل التلاعب بها من خلال الإعلام ووسائل الاستهلاك المختلفة.

العبثيّة التي تطغى على حياة الكثير من الأشخاص، وضعف مبادئهم وشخصياتهم وأفكارهم ممّا يجعلهم طعمًا سهلًا.

يقول مثلًا عالم النّفس الأمريكي- الهنغاري Mihaly في كتابه الشهير”Flow”:
داخل مجتمع معقّد، هناك العديد من المجموعات القوية التي تحاول تأطير الفرد في قالب محدّد يتماشى مع الصّورة التي يريدون رسمها للمجتمع، بحيث تكون استجاباته متوقّعة للمكافآت والعقوبات، فيتماهى الشخص تمامًا في النّظام الاجتماعي الذي يخلقونه له.

في هذا الإطار، يبقى الإنسان في سعي دائم لكسب المكافآت التي تعده بها الوسائل التي تتحكّم به، لكنّ هذه المكافآت دائمًا ما تتسرّب بين أصابع يديه.

“المجموعات القوية” التي يتحدّث عنها الكاتب قد تكون حكومات دول، أو شركات اقتصادية، أو إشهارًا ممتازًا لأحد مساحيق التجميل هدفه إقناع المرأة أنّها لن تكون جميلة دونه، أو حتّى أفلام السينما الأمريكية التي عادة ما تصوّر العرب على أنّهم إرهاب و/أو بدائيّون لتسويق هذه الفكرة على أراضيهم وخارجها، وخلق مشاعر الكراهية، الخوف والاحتقار تجاهنا، وترسيخ عقدة النقص بداخلنا.

تنجح المجموعات القوية عادةً في تحقيق غاياتها مع النّاس الذين لا يملكون تصوّرات شخصية واضحة عن أهدافهم، مبادئهم، رؤيتهم للحياة وفهمهم للعالم.. الناس الذين يتبعون التّيار دون تفكير، ويعيشون حسب ما تمليه صيحات الموضة ورغبة الجماهير وإملاءات الإعلام دون أن يتساءلوا عن صحّة أو قيمة أو مصداقية ما يؤمنون/ يقومون به.

ومن هنا جاءت أهمّية التّفكير في كل ما نفعل وفي الأسباب التي تدفعنا لاتّخاذ قراراتنا مهما كانت بسيطة، كي لا نقضي حياتنا كأوراق الخريف تقذفنا الرّياح حيث تشاء، أو كمسافري القطارات الذين تعجّب لأمرهم الأمير الصغير.

  • الحبّ شمسٌ لا تغيب:
الرّواية تحدّثت بإسهاب عن قيمة الحبّ، وأهمية الوقت الذي نقضيه مع أحبّائنا والجهد الذي نبذله للعناية بهم..
فمثلًا: عندما نفذ الماء من جعبة الطّيار (أي الكاتب)، اقترح عليه الأمير الصغير أن يبحثا عن بئر، وبالفعل بعد بحث طويلٍ وجدا بئرًا منسيةً في قلب الصحراء، وحرّك الأمير الصغير البَكَرة فأصدرت صوتًا عذبًا كالموسيقى، وقام الكاتب بإنزال الدّلو بينما كانت البكرة تغنّي وكانت الشمس تتراقص على صفحة الماء.. قال الأمير الصغير:

– أنا عطشان لهذا الماء، أعطِني أشرب قليلًا.
يقول الكاتب: وفهمتُ ما كان يبحث عنه.
رفعتُ الدلو إلى شفتيه. شرب، وعيناه مغمضتان.
كان ذلك لطيفًا كحفلة. هذا الماء لم يكن مجرّد غِذاء. لقد وُلِد من المشي ليلًا تحت النّجوم، من غناء البَكَرة، من جُهدِ ذِراعي. كان هذا الماء جيّدًا للقلب، كهديّة.

الرّواية تذكّرنا بأنّ “الأمور المهمّة لا تُرى بالعين، بل بالقلب”، وأنّك “تصير مسؤولًا إلى الأبد عن الذين أحببتهم”، وغيرها من النّصائح البسيطة التي ننساها في زحام الأيام.
الجميل في هذه الرّواية هو أنّ الكاتب قدّم معاني مهمّة جدًا بطريقة بسيطة وغير مباشرة، بحيث يختلف تأثير الرّواية على كلّ قارئ حسب مدى انغماسه فيها وطريقة تأويله لما يقرأ.

هل قرأتم هذه الرواية من قبل؟

تعليقات