أحمد يريد أن يبدأ مشروعًا جديدًا.. فكر في أن ينشئ شركة ملابس توصّل منتجاتها إلى الناس من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وكان أول قرار له في طريق بنائه لشركته، أن يتعلم من الشركات المنافسة كيف يسوّق ويبيع وكيف يصل إلى المشترين.
قرر أيضًا أن يفهم طريقة عملهم ويحلل نقاط قوتهم وضعفهم ليعرف كيف يتغلب عليهم.
أحمد بدأ في مشروعه بالفعل وكان متفائلًا جدًّا وتوقع أرباحًا كثيرة، لكن للأسف خسر بسرعة وأغلق شركته.
الغالبية العظمى من الشركات والأشخاص يفكرون بنفس عقلية أحمد، يركزون على المنافسين فقط وبالتالي كثير من وقتهم وانتباههم يكون في متابعة هؤلاء المنافسين وتحركاتهم بدلًا من التركيز على العمل نفسه وخلق مساحة أكبر في السوق، مما سيبعد المنافسين عنهم بشكل تلقائي.
- استراتيجية المحيط الأزرق:
تخيل أن السوق الذي تعمل فيه عبارة عن محيطين: محيط أحمر ومحيط أزرق.
المحيط الأحمر: مساحة السوق المعروفة، فيها كل المجالات الموجودة في الوقت الحالي.
أما المحيط الأزرق: مساحة السوق المجهولة، فيها كل المجالات التي لا نعرف حتى أنها موجودة!
في المحيط الأحمر: كل الشركات تتنافس على نفس المساحة من السوق، وبالتالي تحاول كل شركة التفوق على المنافسين لاستحواذ حصة أكبر.
المشكلة أن مع ازدحام مساحة السوق بالشركات، تتشابه المنتجات ويصبح العرض أكثر من الطلب، فالناس بشكل تلقائي ستقارن الأسعار ببعضها لتشتري المنتج الأقل سعرًا، وبالتالي ستقل فرصة الشركات في تحقيق الأرباح أو النمو، وفي النهاية، تزيد المنافسة الشديدة من احمرار المحيطات الحمراء وتصبح المنافسة فيها خطيرة.
على عكس المحيط الأزرق، الذي يعمل على مساحة سوق خالية من المنافسة، مساحة لم يصل إليها أحد، وذلك عن طريق ابتكار طلب جديد على السلع، وإيجاد فرص للنمو والربح قابلة للزيادة بسبب إنشاء هذا الطلب الجديد والسيطرة عليه.
فبدلًا من أن تنافس الشركات الكبيرة على نفس العوامل ونفس المنتجات، تبتكبر شيئًا جديدًا في مجالك لم يفكر فيه أحد، وتحاول أن تستغلها لخلق طلب جديد عليها، أو تدمج فكرتين لتخرج بفكرة جديدة غير الأفكار المنتشرة في السوق.
وبذلك يتحدى المحيط الأزرق فكرة راسخة عندنا، وهي أن النجاح معناه التميز والفوز على الشركات المنافسة.
وهذه الفكرة ليست صحيحة دائمًا لأن التميز يضعك بين خيارين:
* منح العملاء قيمة ممتازة بسعر مرتفع عليهم وتكلفة مرتفعة عليك.
* أو منحهم قيمة معقولة بتكلفة قليلة.
وهذا ما لا يركز عليه المحيط الأزرق.
في المحيط الأزرق تحاول أن تجعل شركتك تحقق التميز الذي تكلمنا عنه سابقًا وفي نفس الوقت يكون التميز بتكلفة منخفضة.
السؤال الذي ستسأله، كيف؟
والجواب أنك ستحاول أن تفتح منطقة سوقية جديدة أو تضيف قيمة جديدة إلى منتجك تجعل المنافسة مع الشركات الأخرى غير مهمة، لأنك لن تنافسهم في نفس المناطق التي يعملون عليها ولا على نفس السلع.
أنت ستعمل في منطقة خالية من المنافسة.
وبالتالي تفكيرك في أن تعمل في سوق تكون المنافسة فيه عالية وتحاول أخذ نسبة منه لن يكون أفضل استثمار.
أنت تحتاج إلى أن تفعل شيئًا مختلفًا.
تحتاج إلى أن تنشئ محيطًا أزرقَ.
وهذا ما سنتكلم فيه في النقطة التالية:
- إنشاء محيط أزرق.
اكتشاف المحيط الأزرق أو يمكن أن نسميها (إعادة إنشاء حدود السوق)
أحمد يريد أن يكتشف المساحة التي لم يصل إليها أحد قبله ولم يفكر فيها غيره، من خلال التفكير بشكل يتخطى الحدود التي وضعتها المنافسة التقليدية، بشكل يمكّنه من توسعة حدود مجاله الحالي، وكلمة السر هنا هي البحث، الشركات التي تعمل في نفس مجال أحمد لها نطاق معين ومساحة معينة يحتاج أحمد إلى اكتشافها.
يحتاج إلى اكتشاف المساحة المعروفة من السوق.
مثلًا، ما المكان الحالي أو النشاط الذي يستثمر فيه المنافسون؟ وما الجوانب التي يتنافسون عليها من منتجات وخدمات؟ وما يحصل عليه العملاء من عروض تنافسية تقدمها لهم هذه الشركات؟
عندما يجد أحمد إجابات للأسئلة السابقة سيقدر على إعادة إنشاء حدود السوق وسيتمكن من التحرر من المنافسة المتشابهة ومن التنافس ككل وسيفتح مساحة خاصة به.
- أما عن الطرق التي ستساعد على اكتشاف المحيط الأزرق وإعادة إنشاء حدود السوق.
نادرًا ما يفكر أصحاب العمل بعقلية العملاء في المقارنة بين البدائل، وهذا يعميهم عن فهم السوق وكسب فرص جديدة.
بمعنى مثلًا أن كثيرًا من المنتجات والخدمات مختلفة في الشكل لكن لها وظيفة واحدة وتقدم منفعة واحدة.
فنجد قليلًا من التشابه بين المطاعم مثلًا والسنيمات وكل منهما تؤدي وظيفة مختلفة ( من وجهة نظر صاحب العمل طبعًا).
لكن من وجهة نظر العميل عندما يقرر أن يقضي ليلة خارج البيت ليستمتع بوقته، سيقارن بين المطعم والسنيما.
وبالتالي فالمطعم والسنيما بدائل بعض.
العميل عندما يأخذ قرارًا، أول ما سيفعله هو تقييم البدائل.
هل أشتري من أحمد عبر الإنترنت وأوفر التعب، أم أخرج للاستمتاع وأشتري ما أحتاج إليه من محل؟
أنت كشخص يحاول أن ينشئ محيطًا أزرق، يلزمك التركيز على العوامل الرئيسة التي تدفع العملاء لاختيار البدائل بين المنتجات مثل الرفاهية والقرب المكاني وقلة السعر والخدمة الجيدة.
2.البحث في كل المجموعات الاستراتيجية داخل الصناعة.
المجموعات الاستراتيجية هي مجموعة من الشركات تعمل في مجال واحد وتضع استراتيجيات متشابهة، فمثلًا في مجال الملابس، سنجد الشركات التي تعمل فيه مقسمة أكثر من مجموعة استراتيجية: شركات تركز على الملابس الرياضية - وشركات تركز على ملابس الرجال - وشركات تركز على ملابس الأطفال وهكذا.
تظهر هذه المجموعات منفصلة في عملها، لكنها في الحقيقة مترابطة، وتعمل على شيئين:
السعر والقيمة، إذا زاد السعر زادت القيمة.
في السيارات مثلًا، تختص مجموعات استراتيجية في بيع سيارات رياضية، وتختص مجموعات استراتيجية أخرى في بيع سيارات اقتصادية.
والشركات التي تعمل في مجموعة لن تهتم بالشركات التي تعمل في مجموعة أخرى، لأن من وجهة نظرهم لا توجد بينهم منافسة.
السر هنا لإنشاء محيط أزرق: هو دراسة المجموعات الاستراتيجية المختلفة في مجال ما والتحرر من الرؤية المحدودة للمجموعة التي تعمل فيها، من خلال معرفة العوامل التي تجعل العميل يأخذ قرارًا من أي مجموعة منهم سيشتري.
إعادة تعريف مجموعات المشترين
اسأل نفسك: تُرى من الذي سيشتري منتجك؟
هل الأم مثلًا هي التي ستشتري لأولادها؟ أم الزوج، أم الأب؟ أم الأولاد أنفسهم؟
إن كان أغلب المشترين أمهات سيتمكن أحمد من بيع المنتجات لهم بطريقة تناسبهم، بخلاف لو كان الذي يشتري هو الشخص نفسه الذي سيرتدي هذه الملابس.
من خلال معرفة سلسلة المشترين والمجموعة التي يركز عليها مجالك بشكل أساسي والتمكن من تغييرها، يمكنك أن تفتح المجال لسوق جديد لم يصل إليها أحد من قبلك.
البحث في عروض المنتجات التكميلية والخدمات والعروض.
وللأسف قليل ما يفكر أحد في المنتجات والخدمات التكميلية، لكن لتدفع نفسك إلى التفكير في المنتجات التكميلية وتعرف ما هي بالضبط المنتجات التكميلية الخاصة بمنتجك، يمكنك أن تتخيل ما يحدث قبل وبعد استخدام منتجك.
فمثلًا إذا اشترت بنت فستان لتخرج به في مناسبة، فغالبًا ستحتاج إلى حجاب يناسب لون الفستان.
وهنا يأتي دورك، فمن خلال التفكير في استغلال منتجك أو خدمتك لحل مشكلة ما أو إضافة منتج آخر كعرض تكميلي أو خدمة بجوار منتجك، يمكنك أن تنشئ محيطًا أزرق.
إعادة التفكير في الجاذبية الوظيفية أو العاطفية للمشترين.
ذكرنا سابقًا أن التنافس بين الشركات يكون وفق شيئين: الجودة والسعر، وبالتالي يصبح كل تركيزك منصبًّا عليهما! لكن هل فكرت من قبل في جاذبية المنتج للعميل؟ أو أن يلبي المنتج متطلبًا وظيفيًّا له؟
سأعطيك مثالًا بسيطًا على المتطلب الوظيفي..
هل من الأفضل أن أحلق شعري عند حلاق يجعلني أنتظر دوري ساعة ويحلق شعري في نصف ساعة أم أن يستغرق الانتظار والحلاقة كلاهما ثلث ساعة؟ طبعًا ثلث ساعة.
ويحدث هذا عندما يكون الحلاق محترفًا، ينهي عمله سريعًا ولا يتكلم كثيرًا، وحبذا أن يكون الوقت الذي يفصلني عن دوري معروفًا مثلًا من خلال تطبيق أو حتى عداد بالأدوار، بحيث أصل في الميعاد بالظبط، بدلًا من الانتظار.
وبذلك يطوّر الحلاق الجانب الوظيفي ويحسن من عمله ليريح الزبائن أكثر.
أما الجانب العاطفي: فهذا ما فعلته شركة ستاربكس في صناعة القهوة عندما حولت بيع القهوة من سلعة إلى مناخ عاطفي يستمتع فيه الزبائن.
اسأل نفسك، هل تنافس صناعتك على الجانب الوظيفي أم العاطفي؟ إن كنت تنافس على الجانب الوظيفي، فما العوامل التي يمكنك أن تضيفها أو تزيلها لتنافس على الجانب العاطفي؟ والعكس.
إعادة تحديد المشكلة التي تحلها الشركة للعملاء.
بما أن أحمد يعمل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فالعملاء يعانون مشكلة المقاس عند أخذ قرار الشراء.
إذ لا سياسة تضمن لهم إرجاع المنتج إن لم يكن المقاس مناسبًا، ولم تفكر شركة من الشركات الكبيرة في هذه المشكلة ولا في حل لها.
لكن من خلال إعادة تحديد المشكلة وحلها، ستصبح قادرًا على إنشاء محيط أزرق.
وهكذا نكون قد عرفنا المحيط الأزرق الخاص بعملنا، والآن جاء وقت الدخول في المرحلة الثانية من مراحل إنشاء المحيط الأزرق، وهي استخدام أداة يتمكن أحمد من خلالها منح العملاء قيمة جديدة بتكلفة منخفضة.
- أداة الأفعال الأربعة:
كل فعل له سؤال يساعد أحمد على أداء هذا الفعل.
الإزالة.
وهنا سيسأل أحمد: ما العامل الذي تعتبره الصناعة أمرًا مسلمًا به، لكن يجب أن نزيله؟
وهذا ما سيجد إجابته من خلال التفكير في العوامل التي تعتبرها الشركات في مجاله أمورًا مسلمًا بها، رغم أنها لم تعد ذات قيمة أو ربما قلت قيمتها.
التقليل.
سيسأل: أي عامل من العوامل يجب خفضه تحت معايير الصناعة بشكل كبير؟
سيجبره هذا السؤال على معرفة ما إذا كانت المنتجات والخدمات في المجال الذي يعمل فيه قد صممت بصورة مبالغ فيها خلال المنافسة بين الشركات، أم نتجت عن احتياج حقيقي؟
الرفع.
سيسأل: أي عامل من العوامل يجب رفعه فوق معايير الصناعة بشكل كبير؟
سيكشف هذا السؤال عن التنازلات التي تجبر الصناعةُ العملاءَ عليها، مثل عدم وجود ضمان ضد عيوب التوصيل، أو عدم تجربة المنتج.
الإنشاء.
سيسأل: أي عامل من العوامل لم تقدمه الصناعة من قبل، ويجب ابتكاره؟
وهذا ما سيساعده على اكتشاف مصادر جديدة تمامًا للقيمة سيحصل عليها المشترون، وإنشاء نوع جديد من الطلب، وتغيير استراتيجية تسعير الصناعة بأكملها.
- سمات الاستراتيجية الجيدة:
للاستراتيجية الجيدة ثلاث سمات، لو استطاع أحمد تطبيقها على خطته، فستنجح بنسبة كبيرة.
1- التركيز. هل سيطور كل عوامل التنافس مثل الشركات الأخرى، أم سيختار عاملًا واحدًا يركز مجهوده عليه؟
2- الاختلاف. هل سيقلد الشركات في كل نقاط قوتها، أم سيخرج من منحنى القيمة الجديد بميزة مختلفة ينشئ من خلالها مساحة جديدة في السوق ليس عليها تنافس؟
3- الشعار المقنع/ أو الشعار القوي الصادق.
فهل سيستطيع أحمد ابتكار شعار مثل هذا لشركته يقدم رسالة واضحة تعلن عمّا يقدمه، أم سيصبح مجرد شعار يتسبب في أن يفقد العملاء ثقتهم بالشركة واهتمامهم؟
وفي النهاية، استراتيجية المحيط الأزرق مبنية على التجربة والمحاولة ولها مخاطر يجب أن يُنظَر إليها، إذ يمكن أن تكون الأفكار جديدة ومبتكرة لكنها لم تدرس بشكل كافٍ أو إذا حاولت تطبيقها لا يتقبلها من في السوق.
ولذا يجب الحذر والدراسة الجيدة والتأني والتفكير وقت تطبيق هذه الاستراتيجية، لِمَ لَمْ يعمل أحد على هذه النقطة من قبل؟
تعليقات
إرسال تعليق