- لماذا يريد الجميع أن يكونوا سُعداء؟
يتابع طبيب علم الأعصاب الإنجليزي رحلته في إزالة الغموض عن آلية تعامل المخ مع المشاعر البشرية. هذه المرة كانت الرحلة مع مفهوم السعادة، تدفعه تساؤلات على شاكلة "ما الذي يجعل الشخص سعيدًا؟" "لماذا تجعل أشياء مًختلفة أشخاصًا مختلفين سُعداء وفي أوقات مختلفة؟" و "ما المغزى من السعادة؟ وهل هي موجودة بالأساس؟". لاحظ الكاتب أن تصوّر الناس عن مفتاح السعادة متفاوت (الثروة - الشُهرة - الضحك - الحُب – الجنس – السُلطة - مساعدة الناس – أن تتعامل في الحياة كأنك طفل – النوم – التخلص من الأثاث أو الملابس غير المستخدمة... إلخ)
كانت هذه الإجابات تجعله حائرًا لأن توفّر أحد هذه الأمور التي تُحقق السعادة ولو لفترة -حسب آراء أصحابها- لا يضمن للإنسان ألا يذوق التعاسة لاحقًا! لكنه كان مُنزعجًا من الاستخدام المُفرِط والمُبتذل من قِبَل أصحاب الكُتب ومقالات التنمية البشرية والـ Life Coaching؛ لمصطلحات طبيّة أو وظائف بعينها في المخ، قد تكون صحيحة ولكن تُستخدم بشكل غامض ومُبهم. على سبيل المثال "الدوبامين" أو"الأوكسيتوسين" أو "مراكز العاطفة في المُخ"، فيستخدمونها لدعم ادعاءاتهم ولكي يبدون جديرون بالمصداقية.
هذا الكتاب يختلف عن الكتاب السابق "المُخ الأبله" ذلك لأن دين بٍرنيت يكتب هذه المرة بشكل مُختلف بعض الشيء، حيث يصحبنا في رحلته الخاصة من خلال مزج بين الآراء العلمية وبين مقابلاته مع نجوم المسرح والشاشة (الشُهرة) والمليونيرات (الثروة) وعلماء رائدين (العلم) وصحافيين (لذة الاكتشاف) وصائدي أشباح! والمُتديّنين والمُلحدين، بل وحتى مع أشخاص لديهم أفكارًا غريبة عن الجنس، وذلك في محاولة صادقة منه لفهم كيفية عمل المُخ مع السعادة لدى العديد من الشخصيات المختلفة، وسؤالهم إن كانت إنجازاتهم قد جلبت لهم السعادة حقًا؟ وكيف يُمكن للمخ أن يُقرر أن يكون سعيدًا حتى ولو بدا ذلك غير منطقيًا للآخرين؟
يعترف الكاتب في مُقدمته أن الكتاب ليس غرضه أن يكون كتابًا للمساعدة الذاتية أو نموذجًا لكيفية عيش حياة أكثر سعادة. بل كل غرضه هو الرغبة والفضول في اكتشاف كيفية تعامل المُخ مع السعادة.
- عن كيمياء المُخ:
- التجربة المُفاجِأة.
هذا يتفق مع تأثير السعادة الذي نلاحظه في حياتنا مع الهدايا غير المتوقعة من الأصدقاء أو حتى عندما نجد مبلغًا منسيًا في جيوب الملابس الشتوية حتى وإن كان زهيدًا. ليس فقط ذلك بل أننا نستمتع بالنكات لأننا لا نتوقعها، وتفقد النكتة تأثيرها المُضحك بمجرد معرفتنا بها.
وعلى العكس فإن غياب المكافأة المتوقعة، يصاحبه انخفاض حاد في مستوى الدوبامين، مما يجعلنا غير سعداء ومرهقين نفسيًا.
- الإندروفين – الهيروين الشرعي!
وبسبب هذا المُخدّر الفعّال، يقوم المُخ بإفرازه كاستجابة للألم الشديد أو الضغط النفسي (يُطلق عند السيدات أثناء الولادة)
- إشكالية الدوبامين والإندروفين مع السعادة.
- الأوكسيتوسين – هرمون الحُب والعناق!
الأوكسيتوسين مُشارك بقوة في مجموعة أكبر بكثير من المواقف: كالإثارة الجنسية، والإجهاد، والتفاعلات الاجتماعية، والإخلاص. وهو المسؤول عن تقوية الروابط الرومانسية بين طرفين وتعزيز شعور الالتزام بينهما.
الأوكسيتوسين حيوي للمخ البشري حتى يشعر بالحب والأُلفة والثقة والصداقة والروابط الاجتماعية. لكن المشكلة الرئيسية أنه يجعل الإنسان يشعر بغيرة مريرة أو حتى كراهية حين يتعامل الشخص (موضع عاطفته) مع شخص آخر بطريقة ودودة
الخلاصة... المواد الكيميائية ليست سببًا في السعادة كما يدّعي البعض... هي مواد مُحفزة فقط!
- أسباب أخرى للسعادة:
في فصل ممتع يوضح الكاتب عن المساحات التي تحيط بالإنسان وكيفية تأثيرها على حياته الصحية والنفسية. ويوضّح بأن الشخص النموذجي لديه أربع مناطق ذات مساحة مُحددة بوضوح مُذهل، وهذه المناطق هي: المساحة الحميمية والمساحة الشخصية والمساحة الاجتماعية والمساحة العامة. (يختلف إحساس الناس بالمساحة من شخص إلى آخر ومن ثقافة لأخرى)
- كيف تجعلنا بيوتنا سعداء؟ ولماذا تغيير المنزل من أكثر التجارب إجهادًا؟
تقول البروفيسور كارين لولار (أستاذة بكلية متروبوليتن بولاية دنفر بأمريكا) فقدت منزلها في حريق ذات مرة: "إن منزلي ليست مُجرد جماد. ليس المنزل مُجرد ملكية وبناء من الجدران عديمة الشعور. إنه امتداد لجسدي وإحساسي بنفسي الذي يعكس من كُنت، ومَن أنا الآن، ومن أودُّ أو أكون".
- العمل وأشياء أخرى:
- الجانب المُظلم للسعادة!
أيضًا شعور السعادة الخادع عند التهام وجبات غير صحية خطيرة على الصحة، لكن وعلى الرغم من إدراكنا لخطورتها الشديدة إلا أننا لا نتوقف عن الاستمرار في أكلها. وهذا بسبب الشعور الممتع باللذة حين تناولها، بالإضافة إلى التأخّر بين الفعل وعواقبه(تظهر أعراض السمنة أو التدخين بعد فترة طويلة) مما يخدع الإنسان ويزيد صعوبة التعلّم اللاواعي للأضرار الناتجة عن هذه المأكولات.
- وهم السعادة الدائمة:
يقل ذلك مع تخطي الإنسان لهذه المرحلة ويبدأ الشاب في مرحلة التقليم، والتي يتخلّص فيها المُخ من حوالي 50% من الخلايا العصبية الزائدة التي لم يعد لها ضرورة في النضج عندما ينحسر فيضان الهرمونات ليصبح متوسطًا بشكل يتحرّر معه من سطوة النشوة الخادعة من تأثير الهرمونات. هكذا فجأة لن تعد الألعاب البسيطة تهمنا، ولن نجد مشاهدة الأفلام مع الأهل مُمتعًا، ولن تجد كاتبًا أو مُمثلًا أو بطلًا خارقًا مثيرًا حينها. ومع بلوغ الإنسان سن الرُشد يبدأ المُخ في مرحلة الثبات، وهكذا يبدأ في تقدير الضغوطات المُختلفة ومواجهتها ويحتمي بسعيه الدائم نحو السعادة والذي يمنحه الأمل في غد أفضل.
إن قابلت السعادة... فلا تؤجل استمتاعك بها لأنك لن تكون نفس الشخص غدًا!
إن الصدمات الحقيقية موهنة بشكل بالغ، لكن بالنسبة إلى المُخ فالتجارب السلبية تُفيد بكل تأكيد صحتنا العقلية، ورَفاهنا، وسعادتنا. يُمكن أن يتسبب عدد كبير من التجارب للمخ -يُمكنه استخدامها والرجوع إليها على مدار الحياة- في تعزيز الطموح والدوافع بشكل واضح، وهذا مُتصل بالسعادة بشكل وثيق. إن المرور بنطاق واسع من المشاعة السيئة والجيدة يعني أننا اكتسبنا كفاءة عاطفية أكبر، مما يمكننا من التفاعل والرد بشكل مناسب.
الشُهرة رُبما تجعلك سعيدًا، لكن أن ينتهي بكل الحال مُحاطًا بمجموعة تجعل شعورك بالقبول أمرًا تلقائيًا وليس مُكتسبًا. وهذا قد يُخلف تأثيرات مُستمرة على المُخ.
عندما يتعلق الأمر بالجنس، لا تستند رغباتنا وسعادتنا إلى مُجرد تحقيق اللذة الشديدة العابرة. ليس صحيحًا، نحن نحتاج إلى شخص ما. شخص نُحبّه.
القول بأن العثور على الحُب سيجعلك "سعيدًا إلى الأبد" يشبه قولك إن أفضل وجبة على الإطلاق ستُشبع جوعك إلى الأبد؛ فبقدر جمالها لن تفعل؛ لأن العالم لا يعمل بهذه الطريقة. لا المُخ ولا العالم ثابتان في مكانهما. وما يجعلك سعيدًا اليوم قد لا يجعلك سعيدًا غدًا؛ لذا فإن أي علاقة، حتى أكثر العلاقات تماسكًا، تحتاج إلى بذل الوقت والجهد عليها كي تستمر.
لا تُخزّن السعادة داخل المُخ كما تُخزّن السعادة داخل صندوق الكنز، في انتظار ظهور شخص يمتلك المُفتاح الصحيح ليأخذها وينفقها.
نحن واعون لكون أكل الجبن المقلي ضارًا بطريقة مُجردة، لكننا نعلم أنه ممتع للغاية. والأخير لديه احتمالية أكبر في التأثير على السلوك.
- الخاتمة:
هذا الكتاب يعطينا فرصة حقيقية لتأمّل كيفية إدراكنا المُختلف (لكل فرد مِنّا) لمعنى السعادة.
هناك ألف سبب للسعادة. المال أو الحب أو الجنس أو العمل أو المنزل أو الشُهرة، وغيرها. لكن يجب أن نفهم أن هذه الأسباب هي فقط أجزاء من تجربة الحياة الغنيّة التي نعيشها. هي مُجرد أدوات نستخدمها من أجل الشعور بالسعادة من خلالها، ولا يُمكن أن تسعدنا إحداها بشكل ُمستقل ومُنفرد. إن السعادة الحقيقية تكمن في التوازن الصحيح بين كل ما سبق، بالقدر الذي يناسبك أنت.
تعليقات
إرسال تعليق