يضم الكتاب مجموعة من القصص القصيرة، يهدف من خلالها الكاتب إلى مناقشة عدة قضايا واقعية مختلفة بطريقة غير مباشرة منسوجة من الخيال ومحكية بأبسط العبارات وأكثر الأساليب متعة وتشويقًا، لافتًا إلى مشاعر طيبة وقيم عظيمة كالأمانة، ومحذرًا من الطمع والخيانة وما يترتب عليها من عواقب.
- أعضاء ميتة.. حية!
ينتشر الورم، وتصاب الزوجة بنزيف حاد يؤدي إلى غيبوبة عميقة ثم توقُّف كامل لكل نشاط في المخ، ويتوقف رسام المخ الكهربائي عن إصدار أي ذبذبات معلنًا وفاة الزوجة، وواضعًا الزوج في صدمة يرفض أن يتقبلها، ثم يلوح له الأمل على يد الطبيب المعالج ليقترح عليه وضع زوجته على جهاز التنفس الصناعي لضخ الرئتين في جثة ميتة لا سبيل للحياة إليها، ومع الوقت يمل الزوج ويقرر أن تُنزع الأجهزة عن زوجته، وأن تُعد للدفن.
أما الطبيب فقد كان له تخطيط آخر، كان يرى في ملكة الجمال تلك مجموعة أعضاء بشرية صالحة للبيع والمطلوب هو تقطيعها وتعبئتها في أكياس بلاستيك وإرسالها بالطائرة المسافرة إلى لندن لتنقذ مرضى آخرين، وتنعش جيب الطبيب لكن الطائرة في النهاية لم تصل إلى لندن وإنما سقطت ممزقة على جبال الشاطئ الإنجليزي، وقد تناثرت أعضاء الطبيب ومرافقيه على مساحة واسعة.
- رؤية الموت فرق عن تذوقه.
وبين واجب الأبناء في تنفيذ وصية أبيهم واستغرابهم منها ينشأ الخلاف بينهم، وبعد أن مات الأب يبدأ كل واحد منهم بإصدار الأحكام على أبيه، وبالتشكيك في صحة توبته تلك، واتهامه بالهذيان قبل موته طمعًا في تلك الأموال التي ورَّثها لهم، والتي ستُصرف في الأعمال الخيرية كما أوصاهم قبل وفاته، بل وقد كان أوصى الأخ الأكبر بتنفيذ تلك الوصية مهما حدث، وبإطلاق النار على من يقف في طريق تنفيذها ولو كان أحد الإخوة.
يتشاجر الإخوة، وتُشهر المسدسات ليذهب ضحية الطمع ثلاثة منهم ومن بينهم الأخ الأكبر، وينجو أصغرهم وأكثرهم اعتراضًا على وصية والدهم وأشدهم طمعًا فيما ورَّثهم إياه، يفر بعدها بالثروة غير مبالٍ أو نادم شاقًا طريقه إلى الصحراء الليبية، حيث كانت ليبيا بعد فتح الحدود وإزالة الجمارك هي أكثر الأهداف أمنًا كما كان يعتقد، ولكن القدر قد هيأ له شيئًا آخر أن يموت وحيدًا في الصحراء متعبًا وهو ينظر لتلك الثروة تلتهمها دوامة من الرمال، وتلقي بها مبعثرة أمام عينه.
- إحصاءات وأرقام.
ثم كتب عن التحقيق الذي أُجري معه حول ثروته وكيف خرج من التحقيق نظيف اليدين طاهر السمعة، وعاد مرة أخرى ليتولى المناصب والمسئوليات الكبيرة، والتي كان من ضمنها مسئولية الزوج والأب ورب الأسرة لتنتهي مسيرته المهنية المزيفة في السجن، مدفوعًا بسجل من التهم والسرقات والجرائم التي كان قد نسيها من كثرة ما كُتب عنه من مديح، وما وُصف به من شرف ونزاهة.
لقد كان لأستاذ الإحصاء هذا نظرية مختلفة، فهو يرى أن كل الذمم يمكن شراؤها، والفرق بين ذمة وأخرى هو الثمن، وأن خطأه الذي تسبب في دخوله للسجن أنه لم يقدر ذمة النائب العام ولم يسارع لإغلاق فمه، وقرر أنه فيما بقي له من سنوات في السجن سوف يكتب عن موسوعة كبيرة في الإجرام وكيف تكون مجرمًا عظيمًا، وعن الجريمة الكاملة، وفي النهاية نجده أنه ومع ذلك كم يتألم ندمًا وحسرة وكم يتوق للمغفرة والتوبة.
- عصابة تحت الأرض.
ظل الصديقان يحفران يومًا بعد الآخر، يخترقان طبقة أرضية تتلوها طبقة أخرى، ويكتشفان مع كل طبقة آثارًا قديمة، وبقايا عصور غابرة، ومتعلقات شخصية، وفي اليوم الواحد والعشرين من الحفر انهار التراب وسقطت الفأس في فجوة مُفضية لشارع مبلط تحت الأرض ليتدلى إليه الصديقان مستكشفين بعد أن تزودا بالطعام والشراب والعدة اللازمة.
في أثناء الاستكشاف يسمع المهندس وصديقه أصواتًا من وقت لآخر تشبه الهمسات أو الهدير، ربما من فوقهما أو من خلفهما، وأحيانًا تبدو كالصفير، وأحيانًا كالهمهمة، وفي أثناء اكتشافهما كانا يقتربان من مصدر الصوت حتى ظهرت النبرات جلية واضحة، نبرات تتحدث يونانية حديثة ليكتشفا أنها عصابة لتهريب المخدرات تتفق على شحنة ومبلغ وميعاد للتسليم، فلما لبثا أن أسرعا باتجاه المخرج لإبلاغ وزارة الداخلية التي ترصدت لتلك العصابة في الموعد المحدد وقبضت عليها، وكافأت المهندس وصاحبه لكنها لم تذكر اسميهما ولا دورهما في التبليغ كتعليمات أمنية!
- الثأر المتأخر.
في أثناء عودته من القاهرة للريف مستقلًا القطار ومطلًا من النافذة أخذت ذكرياته السعيدة تتراقص أمامه منذ صغره حتى اخترقتها لحظة غدر أودت بحياة والده.
أب قتيل، وأعمام متهمون، ونزاع على الأرض والإرث، وتحقيق وبوليس ومحامون ثم براءة وإفراج لعدم كفاية الأدلة! لقد نهبوا الأرض وازدادوا ثروة وقوة، وأصبحوا سادة ونوابًا وأصحاب ملايين لكنها ملايين فاسدة ولا دليل على ذلك، أمَّا صاحبنا "صبحي" فلم ينسَ تلك اللحظة، وتوقفت حياته عندها، فلقد قُتل يوم قُتِل أبوه.
وصل القطار ونزل صبحي إلى المحطة ليجد أعلامًا وزينة ولافتات، فاليوم هو يوم افتتاح مشروعات وهدان.. وهدان العم!
ذهب صاحبنا إلى صيدليته وأخذ شيئًا من درج مقفل ليشارك في الاحتفال على طريقته الخاصة، وبعد أن اخترق الجموع أصبح أقرب ما يكون إلى المحسن الكبير والمصلح العظيم والعم الغادر، ليخرج مسدسًا من جيبه ويفرغ رصاصة في قلب عمه، وتنطلق عشرات الرصاصات من حوله، ولكن بعد فوات الأوان، فقد مات "صبحي" لحظتها ميتة طبيعية بنزيف داخلي وهو يضحك!
- قاربٌ لاثنين فقط!
أما الشخصية الثانية فهو الزوج الطيب الودود الكريم، المتشوق في كل لحظة لنظرة من الجميلة التي لا تلتفت إليه أبدًا، وأخيرًا الحبيب العاشق الذي يهون كل شيء في سبيله، ولكن ما الذي جمع الثلاثة في قارب واحد؟!
إن ملل الزوجة ورغبتها في الخلاص من قيد الزوجية، وعدم صبرها على تفلت العشيق من الجهة الأخرى وعلى طبيعته الزئبقية، ذلك الملل هو ما جمعهم في قارب واحد. لكل زوجة مهر بالتأكيد، ولكن مهر الجميلة هذه مختلف فعلى العشيق أن يدفع روح زوجها ثمنًا لمهرها، لتعود معه هو وهي فقط إلى الأبد.
تتصارع في قلب العاشق في تلك اللحظة مشاعر متضاربة من الخوف والرغبة والحب والكراهية والخضوع والثورة والعقل والجنون والعشق والتمرد، ليهجم العاشق في اندفاع غير متوقع ملقيًا بالمرأة التي يحب في عرض البحر بدفعة واحدة ليلحقها الزوج مذهولًا، لا يعرف عن السباحة شيئًا ويلحقه العاشق منقذًا، وتغوص الجميلة في الأعماق، ويعود القارب كما أرادت باثنين فقط عداها.
- ملاحظات ختامية:
تعليقات
إرسال تعليق