القائمة الرئيسية

الصفحات

تحديات الذاكرة والتفكير الابداعي | ملخص كتاب كيف تفكر الإسفنجة - دانيلا ماريا


في ظنك، ما الذي يجعلك تشعر بالبرد ولا تستطيع حتى النهوض من فراشك، في الوقت الذي ترى فيه صديقك غير متأثر بالبرد ويقول إن الجو رائع! أو ما السبب الذي يجعل شخصين شككتهما بالدبوس نفسه قد تأثر أحدهما جدًّا بل وأوشك على البكاء من الألم، بينما لم يشعر الآخر بالألم إلا لجزء من الثانية؟!

سأخبرك من أين يأتي هذا الاختلاف.. هناك شيء في الطب يسمى pain threshold أو عتبة الألم، وهي النقطة التي يبدأ عندها الإحساس بالألم، وهذه النقطة تختلف من شخص لآخر، فالأمر نسبي سواء في المشاعر أو الآراء، فالأمر الذي قد لا ألقي له بالًا يمكن أن يكون قاهرًا وشديدًا على غيري، أو ربما أرى سلوكًا معينًا صحيحًا في بيئتي ويراه آخرون خطأ في بيئاتهم، أليس كذلك؟ هذا صحيح.. وما أريد ان أقوله لك هو ان تفكر قليلًا قبل أن تتسرع وتصدر حكمًا على أي شخص بالخطأ أو بالصواب، أريد أن أقول لك اسمع، ولا تأخذ الأفكار جملة واحدة دون فلترتها وتصفيتها جيدًا، واعرف كيف تكون آراءً سليمة.
ولكن قبل أن نشرح طريقة التفكير الصحيحة أريد أن أحكي لك عن معتقدات الناس وأفكارهم:

  • التفكير كالإسفنجة:
الإنسان بطبعه كسول ويحب الأشياء السهلة، ومن ثم نشأ على أخذ أفكار معلبة من دون نقد أو تفنيد، ويحب دائمًا أن يتقبل الأفكار المتماشية مع طريقة تفكيره ويرفض ويعادي أي فكرة لا تتماشى معها، نأخذ المعلومات بطريقة الإسفنجة، فكما تمتص الإسفنجة الماء مباشرةً، فإن العقل يمتص المعلومات ويخزنها دون تدقيق أو بحث أو تمحيص، ويا حبذا لو كان هذا الأمر هو السائد في المجتمع.. فسوف تجد الشخص قد تبناها كما هي دون تفكير حتى في مجرد التفكير فيها، هل تتخيل؟

وهنا يحضرني ما قاله الدكتور علي الوردي "إن الرأي الجديد هو في العادة رأي غريب لم تألفه النفوس بعد، وما دام هذا الرأي غير خاضع للقيم التقليدية السائدة في المجتمع فهو مرفوض، وعندما يعتاده الناس ويصبح مألوفاً وضمن التقاليد يصبح المخالفون له هم المرفوضون!".
كثير من الأمور كانت من المسلمات قديمًا كتجارة الرقيق والعنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء التي كانت أمورًا غير قابلة للتشكيك، والآن يعرف كل الناس أنها خطأ، نظريات علمية كثيرة كانت صحيحة قديمًا، مثل اعتبار الذرة مصمتة وغير قابلة للانقسام أو التجزئة، إلى أن عرفنا أن بداخلها نواة ومدارات إلكترونية وأشياء كثيرة!

  • التفكير بطريقة التنقيب عن الذهب:
ولكن كما أن هناك من يفكرون بطريقة الإسفنجة، فهناك آخرون يفكرون بطريقة تسمى التنقيب عن الذهب، فتجد الشخص يقرأ الكتاب ثم يفهم ويحلل ويجري تقييمًا لما قرأه أو سمعه، فلا يكتفي بمجرد امتصاص المعلومة كما هي، وهذه الطريقة في التفكير تمثل خطوات التفكير الناقد التي سنتكلم عنها.
كيف نستطيع أن نفكر أصلًا؟ أو ما الذي يجعل لكل منا طريقة مختلفة في تقبل المعلومات؟

  • طرق التفكير الأربع:
نعرف جميعًا أن المخ يتكون من فصين: أيمن وأيسر، والاثنان مسؤولان عن معالجة المعلومات التي نستقبلها:
وبناء على ذلك يمكننا أن نقسم طرق التفكير إلى أربع طرق بحسب المكان: الجانب العلوي الأيمن / والجانب السفلي الأيمن/ والجانب العلوي الأيسر / والجانب السفلي الأيسر.
وهنا يا صديقي أريد منك أن تركز معي وتخبرني أي طريقة تمثلك:

  • 1)العقلية الإبداعية الحرة:
فالجانب العلوي الأيمن يمثل العقلية الإبداعية الحرة، فهو يأخذ الفكرة الواحدة بصورة شمولية، أفكاره واسعة ومتجددة، عنده حدس وبديهية، قراراته سريعة وكبيرة، ورغم أنه مميز جدًّا فإن به عيوبًا، مثل أنه قليل التركيز بسبب كثرة أفكاره، لا يهتم بالمواعيد، لا يصنع خططًا مستقبلية، فوضوي وسريع في اتخاذ القرارات وسريع في الرجوع عنها.

  • 2) العقلية العاطفية:
بينما عند سيطرة الجانب الأيمن السفلي، فمعنى ذلك أنك أمام عقلية إنسانية عاطفية: فتجد الشخص حساسًا يتخذ قراراته بعاطفته لا بدماغه، ويراعي الناس من حوله ويحب العمل في جماعات، ومن عيوبه أنه لا يملك رأيًا وحاد في انفعالاته وحساس جدًّا، وكذلك لا يملك ميزانًا للأولويات، وينظر إلى الأهداف الفرعية.

  • 3) العقلية الموضوعية:
أما عند سيطرة الجانب العلوي الأيسر فتجد الشخص يهتم بالحقائق، واللغة الرقمية عنده عالية، منطقي وتركيزه عالٍ، يهتم بدراسة الجدوى، يفكر دائمًا في سؤال: ماذا سأستفيد؟ يجري مقارنات ويفكر بهدوء وعمق، لكن له عيوبًا بالتأكيد: إنه صلب ومادي وصعب التعامل، يهتم بمصلحته فقط وعنده قصر نظر ولا يفكر بشمولية، لا يهتم بالعلاقات، كلامه مليء بالفلسفة ولا يضع الناس في اعتباره، أشبه بالآلة!

  • 4) العقلية التنفيذية:
وأخيرًا الجانب السفلي الأيسر: فصاحبها يمشي على خطوات وإجراءات ثابتة، عنده انضباط ويهتم بالتفاصيل، يدير الوقت بطريقة جيدة وبهتم بالنظام والترتيب، ومن عيوبه أنه متسلط ويحب الرياسة، ممل وعنيد ولا يهتم إلا برأيه، لا يهتم بظروف الآخرين ويفتقد إلى المرونة، ويهتم بتفاصيل تافهة.

وهنا أود إخبارك بأنه ليس كل الأذكياء ناجحين في حياتهم وقراراتهم، لأن طرق تفكيرهم لا تكون صحيحة في كل الأوقات، تسألني وتقول أليس الذكاء والتفكير شيئًا واحدًا؟ أقول لك لا، إن الذكاء شيء تولد به، بينما طرق التفكير مهارة تكتسبها وتقويها على مدار الوقت، فالتفكير هو ما يقود الذكاء ويوصله إلى الهدف.
ولو أردت أن تعرف ما أحسن طرق التفكير، فالباحثون يقولون إنها: طريقة التفكير الناقد، وطريقة التفكير الإبداعي.
والفرق بينهما أن التفكير الناقد هو ما يعطيك القدرة على تحليل الوقائع والأحداث، والحكم من خلال استنتاجك.


  • أما التفكير الإبداعي: فهو ما يجعلك تستطيع خلق الفكرة من الصفر أصلًا!
لكن أريد أن أخبرك أن عقولنا مرنة جدًّا ويمكن أن تفكر بأكثر من طريقة، وكل واحد منا عنده طريقة تفكير مبدعة بشكل ما، فمثلًا ستجد من عنده الطلاقة: أي القدرة الكبيرة على إنتاج الأفكار في موضوع واحد في فترة زمنية محددة.

ومن عنده المرونة: وهي من مهارات التفكير الإبداعي التي تغير رأيك وتفكيرك على حسب الموقف الذي تمر به، فلا تكون عندك نفس الاستجابات أو الأفكار المعلبة على كل شيء تقابله.
وهناك من عنده الأصالة: وهو الشخص الذي يمتلك القدرة على إيجاد حلول جديدة وأفكار غير مألوفة لأي مشكلة، وهذا الشخص من المستحيل أن يقلد أفكار الآخرين، لأن عنده غزارة دائمة في الأفكار.
وهناك من عنده حساسية للمشكلات: وستجد هذا الشخص يحاول الإلمام بمواطن الخلل والضعف وأسباب المشكلات حتى يفكر في حلول لها.

  • كيف أكون شخصًا مبدعًا؟
كل شيء يأتي بصنع العادات والتدريب، فلو كنت تعرف في حياتك شخصًا مبدعًا فسوف تجد أهدافه واضحة دائمًا، وتستطيع أن تكون مثله إذا استطعت أن تحدد أهدافك وتكتبها من الأهم إلى الأقل أهمية.
لا بد أن تمتلك ثقة في نفسك وتعرف أنها مهارة مكتسبة ليست حكرًا على الأذكياء فقط، بل بالعكس؛ كثير من الأذكياء ممن نتيجة اختبار الـ IQ الخاص بهم عالية جدًّا، لو أجروا اختبارًا آخر يقيس مدى إبداعهم، ستكون النتيجة منخفضة جدًّا، لأنهم لم يعملوا على تنمية هذا الجزء.

اعلم أن المبدعين دائمًا يخرجون بأفكار جديدة، وأمور غير مستساغة لمن يحبون الأمور السهلة، ومن ثم فإنك ستجد الكثير يهاجمونك عند التفكير بشكل مبدع. فلو أرد أن تكون مبدعًا وتفكر خارج الصندوق، فلا بد أن تتجاهل انتقادات الناس وهجومهم.
لا بد أن تمتلك القدرة على المبادرة والتنظيم والبعد عن الروتين.

ستقول لا عليك يا رجل؛ الإبداع والتفكير لا يصنعان فارقًا!، سأقول لك على العكس، إن المستقبل كله للمبدعين والمفكرين! وتخيل أن يكون مصدر دخلك كله بسبب أنك تحسن التفكير فقط؟
وبناء على كل ما سبق، فمستقبل الإدارة والشركات سيبدأ في التغير بشكل كبير، أي أننا سنلاحظ ظهور وظائف تطلب من الناس أن يفكروا، وهذه الوظائف موجودة بالفعل في بلاد أخرى تحت مسمى knowledge workers أو موظفي المعرفة!

لأن نسبة كبيرة من المؤسسات تعتمد بشكل أساسي على المعرفة والإبداع في أعمالها: كالبنوك وشركات الإنترنت، وشركات السوشيال ميديا، والصحافة والإعلام وشركات التأمين والسياحة والاتصالات، وحتى المهندسين والمصممين في مجالات الدعاية، ومؤلفي قصص الأفلام والمسرحيات، وكتاب الاسكربتات، وبرامج ووظائف أخرى كثيرة ستكون قائمة فقط على المعرفة والإبداع!، وستكون وظيفتك أن تخلق أفكارًا جديدة تخدم المؤسسة التي تنتمي إليها.

ومن هنا ستجد موظفي المعرفة يصنفون بحسب ما يقدمونه، فتجد موظفين يفكرون أفكارًا بسيطة لتسهيل العمل في الشركة، وتجد كذلك المبدعين الذين يقدمون استراتيجيات تغير مستقبل الشركة، وربما يكون الفرق بين نظم الإدارة التقليدية في الدول النامية ونظم الإدارة الحديثة في الدول المتقدمة، أن الدول النامية يمكنها استخدام تكنولوجيا عالية لكن نظام الإدارة قديم وقائم على مراقبة العاملين، على عكس الدول الحديثة التي تعطي الأولوية لتدريب موظفي الإدارة على طرق التفكير والإبداع وتفتح مساحات إبداعية أكثر.

  • كيف ننمي الإبداع لدينا ونكسب أموالًا أكثر؟
الكتاب يقول لك إنك تستطيع أن تكون مبدعًا وتجعل أبناءك مبدعين من سن المدرسة، عن طريق خلق مجال للعصف الذهني، أو عمل مقارنات ما بين الصور، أو حتى الإجابة عن أسئلة خيالية كالتي تسأل في مقابلات العمل، مثل سؤال: ماذا ستفعل لو أصبح معك مليون جنيه؟ كيف ستعيش في جزيرة وحدك؟ كيف ترى مستقبل البشر على المريخ؟ البيضة أولًا أم الدجاجة؟

وبالتأكيد ستحتاج إلى ذهن صافٍ، فلا بد أن تمتلك وقتًا للتأمل والتخيل، ووقتًا للرياضة صباحًا، وسيساعدك كذلك أن تفعل شيئًا خارج الصندوق، أن تخرج من دائرة الأمان، فلو كنت طبيبًا جرب أن تتعلم شيئًا في الدعاية مثلًا، ولو كنت محاسبًا جرب أن تتعلم شيئًا عن العلوم، وهو ما سيجعلك واسع الأفق وتستعمل أجزاء أخرى من مخك، وبالطبع لا بد أن يكون معك ورقة وقلمًا دائمًا، حتى تكتب كل فكرة تطرأ على ذهنك قبل أن تطير، وكل هذا يدل على أن الإبداع ليس ذكاءً فطريًّا بل عملية مكتسبة تحتاج إلى ممارسة وتدريب وستمر فيها بمراحل..

  • مراحل الإبداع:
لا بد أن تمر أولًا بالتحفيز، وهنا ستجد الشخص يجمع كل المعلومات عن الموضوع الذي يريد أن يبدع فيه، ثم يبدأ في فلترة المعلومات والتركيز مع شيء أو مشكلة واحدة فقط، ثم مرحلة الإلهام وهنا يبدأ في إيجاد حلول وتنفيذها.
وبالطبع لا بد أن تقرأ كثيرًا في المجال الذي تريد الإبداع فيه، وتعرض دماغك لأكبر قدر ممكن من الأفكار، وتفكر بأكثر من طريقة في نفس الفكرة، فتسأل ما الذي يمكن أن يطور الفكرة؟ ما الفوائد وما الأضرار؟ وتنظر إلى الموضوع من أكثر من زاوية..

  • وفي النهاية..
أود إخبارك أن الشخص الذي يتعلم جديدًا كل يوم يتغير تفكيره كل يوم، وكذلك أفكاره ومعتقداته.
فلو كنت ثابتًا في مكانك ورأيك ولا يتغير فكرك منذ سنين فهذا ليس ثباتًا على المبدأ، إنه ثبات على التأخر الذهني!
الإنسان يمر كل يوم بتجارب..

فلو لم تغير فيك هذه التجارب شيئًا، فاعلم أن العمر يجري وأنت الوحيد الواقف في مكانك، لو كانت أفكارك في سن 15 سنة هي نفسها في ال 20 وفي ال 30، فمعنى ذلك أنك لا تنمو ولا تتعلم، لا بد أن تنتبه وتحاول تغيير طريقة تفكيرك.

تعليقات