الفشل جزء أساسي من الحياة، يخبرنا جون سي ماكسويل في هذا الكتاب كيف نقبل الفشل ونتعلَّم منه، وكيف نحوِّل الفشل السلبي إلى فشل بنَّاء، وكيف نجعل من أخطائنا جسورًا نعبر فوقها لنصل إلى النجاح.
الفشل أمر شخصي، وأنت الوحيد القادر فعلًا على تسمية ما تفعله فشلًا، بناءً على إدراكك، وردَّة فعلك تجاه أخطائك، لا بالاستسلام لما يحصل، ونحن لا نتعلَّم في أي مكان كيف نتعامل مع الفشل، إنها مهارة نكتسبها من الخبرات والتجارب، والبيئات التي تحيط بنا ترسِّخ أسوأ المعتقدات والمشاعر عن الفشل، لذا دومًا نخشاه، ونرى أن الوقوع فيه هو النهاية.
وفي الحقيقة فالفارق بين الأشخاص العاديين، والأشخاص الناجحين هو تعاملهم مع الفشل، وإدراكهم ماهيته، ورد فعلهم تجاهه، واقتناعهم بأنهم قادرون على تخطِّيه، والاستمرار لتحقيق النجاح، وهذا ما يفعله الفشل البنَّاء، وهو أن تتحمَّل مسؤولية أخطائك، وألا تلقي باللوم على الآخرين، وتحتفظ بنظرة إيجابية إلى الأمور، ولا تتوقَّع الإخفاق دومًا! وتنظر إلى الأخطاء والخبرات السلبية على أنها جزء من نظام الحياة، وتتعلم منها وتثابر ولا تستسلم، وتبدأ في تحمُّل المسؤولية عما يدور بداخلك، وعما تقوم به.
أحد المكونات البشرية الموجودة لدى كل الناس (الخزي)، ولا يكون دومًا راجعًا إلى كون أحدهم قد حكم علينا، بل إن أشد خبرات الخزي ألمًا تكون غالبًا نابعة من داخلنا، وقد تحول الخزي عند كثيرين من وباء صامت، إلى صورة من صور حماية النفس، نستعمله في الخلافات لنتنابذ بالألقاب، ونستعمله في تربية الأولاد لإشعارهم بعمق خطئهم، وما تسبَّبوا فيه، لكن مثل هذا النوع من التعامل يجعل الشخص يشعر بأنه معيب للغاية حين يخطئ، وأن هناك خطبًا ما به، وأنه ليس جيدًا بما يكفي، باختصار: نشعر أن أخطاءنا تمثِّلنا.
ولكن نظرتك إلى نفسك على أنك فاشل ولديك شكوك في نفسك تمنعك من جعل الفشل بنَّاءً، فإنك تحتاج إلى أن تحتفظ بانطباعٍ ٍجيد عن نفسك، وعن قدراتك، دون أن تجعل الفشل مرتبطًا بك شخصيًّا، ويجب عليك أن تقول لنفسك إنك لست فاشلًا، وإنك أخفقت في أداء الأمر وحسب، على أن نظرتك إلى نفسك يجب أن تكون واقعية، ومبنية على حقيقة، لا على توقعات مرتفعة، أو ظن بأنك ستنجح من أول مرة، هذا بعد أن تكون قد بذلت ما في وسعك.
من يعتاد على الفشل يكرر نفس الأخطاء مرارًا وتكرارًا، دون أن يعرف السبب الذي دفعه إلى فعل هذا، وبتكراره لهذه الأخطاء، لا يخرج من (الطريق السريع) الذي يؤدي به إلى الفشل، وسواء أكان الظرف الذي تسبَّب في الفشل خارجيًّا، أم داخليًّا؛ فالفشل يولد من الداخل، لا من الخارج، يبدأ الفشل بخطأ بسيطٍ نقوم به، ولا نعترف أننا تسبَّبنا فيه، بل نلقي اللوم على غيرنا أو على الظروف ومجريات الأمور، وبالتالي نغضب ونثور جرَّاء هذا الإخفاق، ونبدأ في التبرير لأنفسنا، ونحاول التغطية على أخطائنا، وإخفاءها بعيدًا عن أعين الناس، ثم نزيد سرعة الخطوات لإصلاح الخطأ، ولكن سرعان ما نقع في اليأس ونستسلم لأننا نقوم بنفس الخطوات التي تؤدي بنا إلى نفس النتائج؛ ولكي نجعل فشلنا بناءً، ونخرج من (الطريق السريع للفشل)؛ علينا أن نستيقظ ونجد المخرج؛ فنعترف بأخطائنا، ونتحمل مسؤوليتنا الكاملة عن أفعالنا، ونحاول مرةً أخرى، لكن بعد أن نتوقَّف ونفكر في الأسباب التي دفعتنا إلى الوقوع في هذا الفشل، ونحاول تغييرها، ونعتبر كل فشل نقع فيه، خطوة على الطريق، وفرصة لاتخاذ الإجراء الصحيح، والتعلم من الأخطاء، والبداية من جديد.
حين ننظر إلى الأشخاص الناجحين، ونرى الفرق بيننا وبينهم، وننبهر بإنجازاتهم؛ نشعر أننا لم نحقق أي شيء، ولن نستطيع تحقيق أي شيء مقارنةً بما قاموا به، وحينها يستبد بنا اليأس، وتبدأ الأعذار في الظهور؛ لتُقعِدَنا عن الخطو نحو النجاح، إننا حين نفعل هذا، ونقارن أنفسنا بهم ننظر إلى ما أنجزوه في سنوات إلى ثمرة مشاريعهم، ومجهوداتهم. حين ننظر إليهم نريد (في الحال) أن نصبح مثلهم من غير تعبٍ ولا محاولة، متناسين أنهم مروا بتجارب سلبية، وخبرات صعبة، فالحديد لا يكون قابلًا للتشكيل إلا بعد دخوله النار، وفي الحقيقة لا فارق بين الناجح والفاشل، أو بين من يحلم، ومن يعمل، سوى شيء صغير جدًّا، وهو قوة المثابرة التي تجعله يستمر في المحاولة، فليس هناك فشل سوى العجز عن المحاولة، وليس هناك هزيمة إلا من داخلنا، فالصلابة والمثابرة من صفات الأشخاص الناجحين الذين حوَّلوا فشلهم إلى فشلٍ بنَّاء عن طريق تكوين عادة تجبرهم على تنفيذ التزاماتهم، مهما كانت حالتهم ومسؤولياتهم، ومن لديهم استراتيجية يلتزمون بها ويطوِّرونها باستمرار، وينظرون إلى النجاح على أنه رحلة، تتكوَّن من عدة سباقات صغيرة، وعليهم إنهاء كل سباق بنجاح، قبل التفكير في السباق الذي يليه، ويستمرون في تحفيز أنفسهم لقطع هذا السباق، ويتذكَّرون دومًا أهدافهم الكبيرة التي يريدون تحقيقها، فلا نجاح دون تعب، ومثابرة، وتحمل، وإذا تعثرت؟ قم من جديد.
مما يميِّز الأشخاص الناجحين قدرتهم على مقاومة سحر الماضي والغرق فيه، ونحن بطبعنا نميل إلى رثاء الذات إذا أخطأنا أو حصلت لنا مشكلة، ونشعر بالأسى على أحوالنا، وبمرور الوقت نقلِّل من مسؤوليتنا في الأحداث لنعتبر أنفسنا ضحايا، بالإضافة إلى تكرار الأحداث في أذهاننا مرةً تلو الأخرى لنخفف من ثِقل مسؤوليتنا على أنفسنا ومن ثقل الأخطاء، والنتيجة أن الماضي يقيِّدنا إليه، ويمنعنا من التمتع بنظرة إيجابية، أو أن نكون منتجين، ونصبح أسرى لمشاعرنا الخاصة، وعادةً تكون السجون التي نقيم بها هي الإدمان، أو الإفراط في الطعام، أو العمل، فكل واحد فينا يصنع سجنه الذي يناسبه، وإن كان الماضي يؤثر فينا ليدفعنا إلى الانهيار أو الاستسلام، أو إلى تحقيق إنجازات كبيرة، لا نستطيع تحقيقها رغبةً في الهروب مما حصل، أو عدم تكراره، فلكل مشكلة كبيرة نتعرَّض لها أو إخفاق نقع فيه حافة نقف عليها لنرى مفترق الطرق: إما أن ننهار أمامه، وإما أن نخطو نحو الإنجاز؛ وقد تكون وفاة أقرب الأشخاص إلينا، أو الخسارة، أو المشكلة الصحية فرصة لنا لنرى التحولات الكبرى في حياتنا داخل إطار أكبر، فرصة لمنح الزمن ما يريد من وقت ليشفي آلامنا، لأننا نحتاج إلى تعلُّم كيف نضع أحداث الماضي خلف ظهورنا، ونواصل التحرك، فالقيد في سجن الماضي، والتحرك نحو فشلٍ بناء لا يجتمعان، فمهما كان الماضي مظلمًا يجب علينا ألا ندعه يصبغ حاضرنا بالكامل، ويجب أن نتحرَّر من الأحداث السلبية التي حدثت لنا.
العديد ممن يعانون الفشل المزمن لا يفكرون سوى في أنفسهم فقط، ويؤجلون الاهتمام بالآخرين إلى حين تحقيق النجاح، حتى أقرب الناس إليهم، ومن يخالطونهم بشكلٍ مستمر، وربما لا يفكرون في مساعدتهم بالأساس، ولكنهم يهتمون فقط لرأي الناس فيهم، ويهتمون بتحقيق مصالحهم، ويجتهدون ألا يحصل أحد على أي استفادةٍ من ورائهم؛ ومن يرغب في جعل فشله بنَّاءً فعليه الاهتمام بدائرته القريبة، ومساعدة من حوله، وأن يبدأ في وضعهم بحسبانه، والاهتمام بشؤونهم، لا أن يركز طاقاته على نفسه، وينحصر بداخلها لأنها ستتحوَّل إلى سجنٍ مغلق عليه، ولن يستطيع الهرب من فخ التركيز على الذات، وعليه ألا يكون أنانيًّا، منكفئًا على ذاته؛ فهذا سيسبب له الشعور بعدم الأمان وعدم الكفاءة، كما يجعل العمل الجماعي مستحيلًا، وفي حين أنه لو كان مهتمًّا بمن حوله، مساعدًا لهم لكان هذا أدعى إلى تلبية احتياجه إلى الانتماء، وإيجاد من يساعده حين يحتاج إليهم، بالإضافة إلى الإحساس بالقيمة والكفاءة، فكلُّ هذا يحصل بتنمية روح العطاء والمساعدة لدى الشخص ليكون مؤثرًا في من حوله، مهتمًّا بهم، مستمرًّا في إضافة قيمة إليهم بطريقة كافية للحصول على ما يريدونه، مستكشفًا لاحتياجاتهم عن طريق السؤال والإنصات والملاحظة، ملبيًا لها بامتيازٍ وسخاء، متجاوزًا نفسه، فاعلًا في حياة الناس، محدِّدًا لما يريد إنجازه، وما يريد التأثير به في حياته، وحياة من حوله.
قدرٌ لا يستهان به من الاكتشافات العظيمة للبلدان، والمخترعات وغيرها؛ كان وليد صدفة استفاد منها صاحبها الذي قد جازف بماله وبوقته وبحياته في بعض الأحيان، وبفُرصٍ أخرى كانت أكثر ضمانًا؛ ليحقق هذا النجاح، وبينما كان هذا الشخص يخاطر ويجازف، ويرتكب الأخطاء ليتعلم منها، كان هناك شخص آخر مشغولًا بإحساس النقص، والشعور بالدونية، وعاجزًا عن المخاطرة والتحرك، مؤثرًا القعود على التحرك، ولا يرغب في التقدم إلى الأمام، ولا المخاطرة بأي شيء.
كل شيء في الحياة به قدر من المخاطرة، وقليل من المجازفة، ولتحقيق أي هدف مهم؛ لا بدَّ من استغلال هذا القدر من المخاطرة والمجازفة، فالحياة إما مغامرة جسورة، وإما لا شيء، إما نفكر ونتعلم من تجاربنا، وتجارب غيرنا، ونبحث عن الحلول، ونجد الفرص، وإما أن ندعها تتسرَّب من بين أيدينا، ونكرِّر الخطأ مرة تلو الأخرى، ولا نتعلَّم من تجاربنا، ولا من تجارب غيرنا.
كل ما علينا فعله أن نقرِّر: هل الهدف مهم؟ أم غير مهم؟ أيستحق المجازفة، أم لا؟ لو كان الهدف مهمًّا، ويستحق المجازفة فعلينا أن نتوقَّف عن القلق ونبدأ العمل، وهذا لا يعني أن نكون متهوِّرين، ومجازفاتنا غير محسوبة، أو معتمدة على الخوف الذي بداخلنا، أو باحتمالية نجاحنا في هذه المجازفة، بل يعني أن نخاطر ونجازف بالقدر الذي نراه صائبًا، وكافيًا للوصول بنا إلى الهدف الذي نرنو إليه، مؤمنين أن من يريد النجاح؛ فلا بدَّ أن يواجه المصاعب التي تحتاج إلى مجهود لحلها، لا الاستسلام من أول مرة، أو الخوف من التجربة، والوقوع في الفشل.
لا نجاح دون مجهود وتعب، وارتكاب الكثير من الأخطاء، لكن ينبغي أن نفهم لِمَ وقعنا في هذه الأخطاء؟ وكيف نتجنَّبها مرة أخرى، وأن نتعامل معها على أنها منفصلة عن شخصياتنا، وأننا أخفقنا في أداء الأمر وحسب، وأن نبتعد عن (الطريق السريع) للفشل، ثم ننهض بسرعة بعد الإخفاق، ونكون مستعدين لالتقاط الفرص الجديدة، والمجازفة في بعض الأحيان لنتحوَّل من حالة الكسل والاستسلام إلى أخرى أكثر نشاطًا وإنتاجية، مؤمنين أن بإمكاننا تحويل الفشل السلبي إلى آخر بنَّاء.
تعليقات
إرسال تعليق