القائمة الرئيسية

الصفحات

المقدمة التي كانت سبب تقدم أوروبا | ملخص كتاب مقدمة ابن خلدون - لمؤسس علم الاجتماع ابن خلدون

ملخص مقدمة ابن خلدون..
لكن هذا الملخص لا يغني أبدا عن قراءة الكتاب الأصلي من قبل المختصين أو الراغبين بالتوسع في العلوم التي تقدمها المقدمة، ونحن في قناتنا إذا قررنا تلخيص هذا الكتاب القيم فهدفنا هو توسيع قاعدة المطلعين على أهم ما في هذا الكتاب من معلومات وتشجيع الشباب على توسيع مداركهم في المجالات المختلفة، وتذكيرهم بجزء مهم من حضارتنا العربية الخالدة التي لها تأثير ومساهمة مباشرة حتى يومنا هذا في علم الاجتماع وعلوم التاريخ.



إهداء هذا الملخص إلى روح الرجل الخالد في قلب العلم والحضارة ابن خلدون، أهدي هذا الملخص البسيط الذي أتمنى أن يفيد كل من يقرأه ولو بمعلومة واحدة.

أما المؤلف فهو عبد الرحمن محمد بن خلدون حضر مي الأصول ولد عام 1332م، و توفي عام 1406، يعرف لدي العربي بأنه أبو علم الاجتماع، ومما ساهم في تطوير شخصيته هي ولادته في عائلة تولت المناصب والمسؤوليات و كانت كذلك عائلة علم و ثقافة و فكر، الأمر الذي جعله يختص أكثر بعلوم السياسة والاجتماع؛ أهله من النازحين عن الأندلس بعد سقوط الدولة الإسلامية هناك، وهو ما أثر على توجهاته فأعطى كثيراً من وقته لتفسير انهيار المجتمعات والأمم، عاش معظم حياته في تونس وكتب أولي كلمات مقدمته في الجزائر قبل أن يكملها في تونس والمغرب، حيث عمل في الأخيرة كمدرسٍ ضمن طاقم التعليم في جامعة القرويين أولى الجامعات على ظهر الأرض.

وتوفي رحمه الله في مصر ودفن في أحد مقابل الصوفية هناك، ومما يجب أن نعرفه عن ابن خلدون قبل المضي في هذا الملخص أنه يعتبر حسب كثيرين مؤسس قواعد العلم الحديث في التاريخ، حيث كان من أوائل من عمد لقراءته من أحياء فلسفية غير سردية مما جعل كثير من علماء الغرب يعترفون بفضله ويصفونه بصاحب قواعده الحديثة.

  • طريقة التلخيص:
جاءت المقدمة في ستة أبواب وفي كل باب عدة فصول وهدفنا هنا هو الخلاصة وليس الشرح والإطالة حيث حرصنا على تقديم أكبر قدر ممكن من فكر هذا الرجل في مجموعة من الصفحات ولكننا لن نتطرق لعناوين الفصول وسوف نضع كل ما نراه ضروريا بين يدي القارئ مع اعترافنا لاستحالة تقديم تلخيص شامل بهذا العدد القليل من الصفحات لكتاب قيم وكنز من كنوز المعرفة مثل ابن خلدون، لكننا نسعى لتقديم الأهم للقارئ في القرن الحادي والعشرين.

الباب الأول: في العمران البشري.

وجاء في هذا الباب الأفكار التالية:
  • التعاون حتمي بين البشر
اجتماع البشر وتعاونهم ضرورة ملحة لا اختيار فيها لأحد ممن أراد، فأساس بناء الإنسان هو الطعام وهذا الطعام لا يمكن تفصيله بالاعتماد على فرد واحد، مما جعل الجماعية حتمية لابد منها للبشر وهذا الأمر جعل كل من يحاول الخروج عن هذه الحتمية هو شخصاً خارجاً عن الفطرة الإنسانية بالتأكيد، وهو الأمر الذي سينقلب عليه بأعراض نفسية خطيرة يتحدث عنها علماء النفس وتحليل الشخصية، وأكد ابن خلدون أن هذه الحقيقة يظهر فيها بعض الحيوانات أقوى من الإنسان لأن منها القادر على العيش وحيداً لسبب طبيعته التي تمكنه من تحصيل طعامه وأمنه بشكل منفرد، لكن نقطة ضعف الإنسان هذه ليست إلا قوة فعلية أجبرته على التعاون الذي كان أساس عمران الأرض والتطور الواضح للجنس البشري على غيره من الكائنات.
  • تقدم الشمال على الجنوب
ربط ابن خلدون نشوء الحضارات والعمران المتقدم في بعض المناطق وغيابها في بعض المناطق الأخرى بدرجة الحرارة حيث رأى أن المناطق ذات الحرارة العالية تتعرض لجفاف أكثر وتكون فرصة البنيان فيها أقل، في حين أن المناطق الباردة نسبياً تكون بيئتها أفضل للحياة والإنتاج بشكل عام والإنتاج الغذائي بشكل خاص، أما المناطق الباردة جداً فهي صعبة كذلك

بسبب صعوبة إنتاج الغذاء فيها وهنا نستطيع أن نفهم أن ابن خلدون كان يهتم أولاً بالغذاء وضرورات توفره لكل مجتمع كي تدور عجلة التقدم، وكيف يلعب الجو دوراً إيجابياً في حال مناسبته للإنسان بناء على لعبه الدور المباشر في التصنيع الغذائي، وهذا الكلام ما زال صحيحا حتى الآن، فالدول الرائدة في العالم هي دول مكتفية غذائياً وتملك أجواءً معتدلة على مدار السنة حيث فيها البرد والشتاء وفيها الصيف والشمس.

  • الاحتباس الحراري:
لو عاش ابن خلدون في زماننا هذا لكان من أشد المهتمين بما نسمع عنه من احتباس حراري وظواهر التقلب في المناخ العالمي، فقد آمن أن الجغرافيا والمناخ يلعبان دوراً كبيراً في خلق الحضارات عبر تاريخ الأمم، لذلك واجب على وزرائنا الجالسين في مكاتبهم أن يفهموا هذه النقطة ويسعوا إلى فهم ما يحدث وما قد يحدث، ابن خلدون حذر بوضوح في أكثر من مناسبة في الباب الأول من خطورة ارتفاع الحرارة المستمر الذي سيؤدي بالضرورة إلى النقص الغذائي، هذا النقص الغذائي سيؤدي إلى تراجع الحضارة البشرية، وقد يكون سبباً في حروب كبرى.

  • الطقس وأخلاق السكان:
رأى بن خلدون أن هناك علاقة مباشرة بين الطقس السائد في بلد ما وأخلاق أهله، فقد ذكر مثلا أن أهل البلاد الباردة يكونوا أكثر تخطيطاً للمستقبل وتخوفاً من العواقب على عكس أهل المناطق الحارة أو المناطق القريبة من البحر فأهل البلاد الباردة يخافون غدر الجو، ويخشون نقص غذائهم فترات طويلة فهم أكثر حرصاً وتفكيراً وكأنهم توارثوا هذه العقلية حتى يومنا هذا، فأهل أوروبا أكثر تخطيطاً للمستقبل وحساباً للعواقب ومن المؤكد علمياً في زمننا هذا أن طريقة التفكير التي ينتهجها الإنسان في أمر ما تصبح صبغة لعقله في كل شيء، فالرجل المقامر مثلاً

يكون بطبيعته مغامر مقداماً غير صبور؛ أما راع الغنم فهو رجل صبور جداً لا يغضب بسهولة وهو ما يجعل الطقس وطبيعة التعامل معه من أجل تأمين الغذاء أو النجاة أمراً مؤثراً بشكل مباشر على أخلاق أهله.

  • الفقر والتدين:
لم يخجل ابن خلدون من ذكر حقيقة يحاول البعض إنكارها في مسألة التدين مهما كان الدين الذين نتحدث معه، فقد رأى أن أهل المناطق الفقيرة أكثر تدينًا، بل رأى أن أهل المدن يتغير تدينهم حسب ظروفهم المعيشية.. فكلما تحسنت الظروف رأينا الغفلة تسود في حين لو ضاقت عاد الناس إلى ربهم سائلين إياه الرحمة.

ولا يُناقَدُ كلامُ ابن خلدونَ المقولةَ الجميلةَ "كلما ذهبَ الفقرَ إلى بلدٍ قالَ لهُ الكفرُ انتظِرني". فالتدَيُنُ الناجمُ عن الفقرِ فقط هو تدَيُنٌ خارجي من حيثُ العباداتِ والكلامِ المتداول، أما التصرُّفاتُ فقد تحيدُ عن المسارِ الصحيحِ من أجل تأمينِ لُقمةِ العيش فيكونُ من بعضِ الفقراءِ الذين لم يتحملوا ظروفَهم التحولَ لتصرُّفاتٍ تشبهُ تصرُّفاتَ الكفار، مثل ما حصل من الصعاليك في التاريخ العربي من قطع طريق وإغارة على القبائل للانتقام من الظلم الاجتماعي.

  • الطعام وتأثيره على أخلاق الناس:
أيّد الفيلسوف العربي فكرة أن نوع الطعام ينعكس في المدى الطويل على أخلاق من يأكله فهو يرى أن أهل البادية الذين يتغذون عليها لبن الإبل ولحومها يملكون صفاتها من التحمل والصبر

وكذلك القدرة على نقل الأشياء الثقيلة، هذه النقطة ما زال العلماء يناقشون فيها فالبعض يتحدث أن من يأكل اللحوم يكون أكثر عدوانياً في حين أن الإنسان النباتي مسالم وهادئ ويرفض كثيرون مبدأ ربط طباع الحيوان مباشرة بمن يأكلها، ويرى أن السبب يعود إلى مركبات غذائية فيها تؤثر على عمل الدماغ فتخلق فيه التوتر أو الهدوء وإلا لتحول الأسد إلى غزال من كثرة ما أكل منها.

الكرامات الإلهية:
ناقش ابن خلدون مسألة الكرامات وعرض آراء المذاهب فيها وكيف أن البعض يرفضها إجمالاً ويخصها بالأنبياء وكيف أن آخرين يرونها أمرا مقبولا أن يحدث لعباد الله الصالحين ولو لم يكون ممن يوقرهم الناس، والجميل بهذا الفكر أنه ترك للقارئ أن يتبنى الرأي الذي يريد لأن مسألة الإيمان بوجود أو انعدام الكرامات ليست من أسس ولا أركان ديننا الإسلامي ولا يجوز التوقف عندها لإجبار الآخرين على وجهة نظرنا فيها والمهم أن نفهم أن ابن خلدون كان حريصاً على الحياد بعرض هذه الآراء الدينية، والأهم من ذلك أن نتعلم مما يقدمه ابن خلدون أن الزمن في الماضي كان يقبل الاختلاف في الآراء الدينية ما لم تكن من أركان الدين بلا لجوء لتكفير أو تفسيق كما نشهد في زمننا الحالي.

  • أصناف النفس البشرية:
صنف ابن خلدون النفس البشرية من حيث الإدراك الروحاني، إن جاز التعبير إلى ثلاثة أصناف منطلقاً من فهمه الصوفي على الأغلب للدين الإسلامي، فالصنف الأول هو نفس مرتبطة بالبدن بشكل كلي وتكون معتمدة بالتفاعل مع العالم الخارجي على الحواس والخيال والذاكرة وهذا صنف الناس عامة، في حين أن الصنف الثاني يملك بعض الاعتماد على التعقل الروحاني وتنسلخ نفسه جزئياً من الجسد، وهذا هو صنف الكهنة لدى ابن خلدون حيث يرى أن معرفتهم لبعض الأمور الغيبية لا نقاش فيها ولا يجوز إنكارها، وإن كانت حراماً! وأما الصنف الثالث فهو نفس راقية تماماً تصل إلى حد الملائكية بالتخلي عن كل ما هو محسوس والاعتماد على الذات الروحانية وهذا الصنف هو صنف الأنبياء فقط، والاعتماد المذكور على الذات الروحانية هو ما نعرفه نحن بالوحي.

  • توضيح رجم الشياطين بالشهب:
يرفض ابن خلدون القول بأن الكهانة انتهت تماماً بعد النبي محمد عليه الصلاة والسلام بسبب رجم الشياطين بالشهب، حيث يرى أن ذلك المنع لم يكن منعاً مطلقاً، وإنما هو منعهم من أخطار السماء الخاصة بالبعثة النبوية ولفترة مؤقتة فقط حتى استقرت الدعوة وأصبحت قوية قادرة على الدفاع عن نفسها.

كما أن ابن خلدون يرى أن الكهانة ليست مجرد عبارة عن اتصال مع الشيطان لكن هناك قدرات لدى أصحابها كامنة فيهم تمكنهم من معرفة بعض الغيبيات، ورغم ذلك هو يؤمن بحرمة الكهانة بشكل قاطع ويتفق مع النهج الإسلامي الواضح في أمرها.

  • الأحلام وابن خلدون:
فسر ابن خلدون الرؤى بإرجاع الأمر إلى أن نفوسنا الروحانية بالأصل وبالتالي فإنه بعض الأحيان وعند النوم تتجرد النفس من الطابع البشري فتطالع ما في هذه الروح التي تعلم ماذا سيقع، فيعود الأمر إلينا على شكل حلم مباشر أو رمزي وهو ما يفسر بالنسبة له وجود بعض الأحلام التي تصيب بشكل مطلق أو بشكل جزئي.

وإلى هنا ينتهي ملخص الباب الأول من مقدمة ابن خلدون ونريد أن نقول إننا أغفلنا بشكل متعمد تلخيص مسألة تتعلق بمعرفة الغيب وقدرة الإنسان على ذلك، لأن الموضوع يحتاج لتفصيل كبير ولا علاقة له مباشرة بأمور الحياة والمجتمع التي نهدف إلى تنمية فكر القارئ بشأنها في هذا الملخ



الباب الثاني: أصول المدنية الإنسانية؛ تحت اسم في العمران البدوي.

جاء في هذا الباب الأفكار التالية:
  • التسلسل في بناء الحضارة:
رأي ابن خلدون أن بناء الحضارة يحتاج للتدرج وأنه لا يمكن أن يقوم على نهج ثوري حيث يبدو هذا تدرج من تأمين الغذاء الأساسي ثم يأتي بعد ذلك الاهتمام بالملبس والمسكن وبعد ذلك تأتي الزينة المفرطة والاهتمام بالمبالغة في كل مظاهر الحياة وهي مرحلة ما بعد الكماليات، ومن الوضح أن ابن خلدون يشدد من جديد على أن الأمن الغذائي هو المرحلة الأولى في أي عمران. ومن هنا ينبغي لمن يريد بناء أي دولة على البدء بتحقيق الأمن الغذائي قبل أي أمن في البلاد، ففي حال غاب الغذاء فإنه لا يمكنك فرض أي مظهر آخر من مظاهر الأمن، لأن النفس البشرية ستحاول الحصول على طعامها ولو بطرق مخالفة للقانون؛ ويؤسفنا القول إن هذه الحقيقة تجعلنا نفهم كيف تسير بلادنا عكس الاتجاه الطبيعي للعمران فمعظم حكوماتنا تركز على الأمن السياسي والعسكري قبل الأمن الغذائي مما يفسر كوننا ندور في حلقة مفرغة في معظم دولنا.

  • البدو أساس الحضارة ويتفوقون على أهل المدن:

انطلاقا من أن أهل البادية يكتفون بالضروريات وأن أهل المدن يذهبون للحصول على الكماليات ومن أن الحقائق التاريخية تكشف أن معظم المدن يعود أهلها لأصول في البادية فإنه يمكن القول إن البدو هم أصل الحضارة، ورأي ابن خلدون أن البدوي يتفوق على أهل المدينة بأنه أقرب للخير بسبب قربه من الفطرة البشرية الأصلية من دون تعرض لتشويه مظاهر الحضارة والتمدن، كما أنه أكثر شجاعة لأن ابن المدينة أصبح متكلاً على حكومته في حمايته وحراسته فبات آمن يتوارث الأمن في حين أن البدوي يعتمد في ذلك على نفسه ولا يركن إلى غيره في أمر حمايته.
  • سر ادعاء الزعماء نسباً عزيزاً:
في الماضي كانت القبائل هي من تحدد الحاكم بشكل واضح فإن لم ترض عن نسب شخص ما قامت عليه وأبعدته عن السلطان، فبدأت ظاهرة تعود إلى عصر الدولة العباسية بخروج أشخاص يدعون نسباً معيناً إلى قبيلة أو صحابي أو حتى نبي مما يخلق لدى هذه القبائل طواعية له وقبولاً به وهو أمر ما زلنا نعيشه في عديد من البلاد حول العالم وليس فقط في عالمنا العربي. هذا القبول بالحقيقة ليس لشخص الحاكم ولا لأسرته بل هو قبول بالنسب الذي يعود إليه أو يدعيه، وبالتالي لا تستغرب من نسب كل حاكم في العالم الثالث نفسه لنبي أو رجل نبيل مقاتل أو شخصية عظيمة مرت على البلاد، فهذا النسب قد يكون أهم أركان ثبات حكمه وهو لا يدري.
  • معلومة جميلة حول من المتفاخرين بأنساب قديمة:
يقول ابن خلدون أن الحسب يندثر مع أربعة آباء، فالشرف يكون في الأول ويراه ابنه وقد يعمل به ثم يورثه لابنه التالي لكن مع اندثار شيء ونسيان شيء من مكارم الأخلاق والأفعال النبيلة، ويأتي الجيل الرابع فينال البقايا وبعده ينتهي الشرف المرتبط بالنسب.

لذلك ابن خلدون يجعلنا نفهم بطلان تفاخر البعض بانتسابهم للصحابي أو النبي الفلاني في وقتنا الحالي لأنه كما قال ابن خلدون: فالأخلاق لا تنتقل عبر الدم ولا بالتوارث الجيني ولكنها تنتقل بالقدوة والمثال، وبنفس الوقت فإن الشرف والحسب يندثر وهذا ما آمنت به العرب منذ القدم، والمطلوب أن يقوم كل أب بتجديد هذا الحسب و عدم العيش على أمجاد الماضي.

  • الترف والحكم العصبي القبلي:
أوضح بن خلدون أن كل عصبية تنتشر في القبيلة لا بد أن يكون هدفها في النهاية هو الفوز بالحكم، وبالتالي فإن بعض الزعماء الذين يغذون هذه القبيلة لا يعلمون أنهم يبنون في النهاية عدواً طامعاً في الحكم سيظهر عليهم يوماً ما ويسلبهم حكمهم، لكن ابن خلدون حذر هذه القبائل الحاكمة من أن الترف والغرق فيه سيضعف تركيز الأبناء على حماية حكمهم العصبي، وسيكون لكل فرد فيهم هدفاً شخصياً يتماشى مع رغباته، ومع الزمن سيكون الترف أساساً في زوال الملك.

  • لا تتوقع شيئا من جيل يقبل الذل:
وهذا ما رأيناه بأم أعيننا أثناء الثورات العربية الأخيرة التي حركها جيل الشباب وليس الجيل الكبير في العمر مع الاحترام له ولخبرته طبعاً، فالجيل الذي يقبل الذل مره من المستحيل أن يرفضه في المرة الثانية وكأن هذا شرح بسيط لبيت الشعر: "من يهن يسهل الهوان عليه"

ابن خلدون استشهد بقصة بني إسرائيل الذين تعرضوا لإذلال فرعون وكانوا عبيدا عنده حيث أنهم ورغم رؤيتهم معجزة البحر وغرق فرعون، لكن الذلة بقيت فيهم حتى قالوا "إن فيها قوماً جبارين" فكان التيه في الصحراء أربعين سنة حتى جاء جيل جديد دخل فلسطين لأنه لم يكن فيه الذل الذي سكن الجيل السابق فعمل بشجاعة على الدخول إلى أرض يعتبرها اليهود مباركة مقدسة بالنسبة لهم.

  • المغلوب يتبع الغالب:
لذلك فلا غرابة في أننا نتبع الأمم التي هزمتنا بكل شيء هذه الأيام، وفسر ابن خلدون ذلك بأن النفس البشرية ترى الغالب كاملاً وهو ما يوفق قول جورج أورويل مؤلف الرواية العالمية "مزرعة الحيوان" بعد عالمنا الرائع بمئات السنين: (المنتصر يبدو وكأنه لا يُقهر) وبرر ابن خلدون ذلك بقوله: إن النفس تستقر فيها عظمة المنتصر لتغلبه عليها أو تقوم بمغالطة نفسها وتبرير خسارتها بأن المنتصر لا يقهر وأنه يتميز بالكمال، وهو تبرير يأتي من قبل الفرد أو الأمة لتجنب الاعتراف بحقيقة الضعف أو التقصير وارتكاب الأخطاء، وهذا التقليد يكون باللباس والسلاح وطريقة الإدارة، وقارن ابن خلدون هذه الحقيقة بتشبه الابن بأبيه لأنه يعتقد فيه الكمال.

  • الأمة المملوكة لغيرها فانية لا محالة:
وربما هذه أخطر النقاط التي علينا إدراكها في هذا الزمان الذي تعيش فيه أمتنا العربية حالة من قهر الأعداء، فقد ربط ابن خلدون حقيقة فناء الأمة المملوكة لغيرها بفقدان الأمل وغياب الحافز لأن كليهما يمثلان السر خلف البناء والعمل وحتى كثرة التناسل، فإن غلب التكاسل تراجع أهل البلد حتى أصبحوا لُقمة سائغة لكل طامع فيتدخل بهم الجميع ويتناهشون ما تبقى منهم حتى يفنى وجودهم كأمة، ولعل هذا يفسر اندثار المسلمين في الأندلس مع أول خسارة بعد سنوات طويلة من الحكم ولعل هذا يفسر أيضاً سقوط الهنود الحمر واندثارهم كأمة بعد خسارة حرب واحدة في أمريكا الجنوبية رغم تفوق في البداية على من جاء طالباً استعمارهم.

ابن خلدون ذكر مثالاً يستحق الاهتمام وهو الفرس بعد سقوط دولتهم على يد المسلمين فقد كان عددهم كبير جداً لكنهم تناقصوا وتشتتوا رغم العدل الإسلامي الذي حماهم من الظلم بعد دخول أراضيهم وحفظ عليهم دينهم إن أرادوا، وبالتالي فإن مسألة الاندثار مرتبطة بالتبعية وليس بالعدل.

ومن أجمل ما ذكر ابن خلدون في شرحه وجهة النظر هذه أن الإنسان رئيس بطبعه فإن أفقدته هذه النقطة خسر كيانه تقريباً وأصبح أقرب للحيوان من اهتمامه فقط بغرائزه الفردية فنسي وظيفته في الحياة وهي الإعمار والإنجاز وركن فقط إلى بطنه وأهوائه، هذا الواقع المرير نتيجته أكثر مرارة وهي الإندثار في حال رفض الشعب المقاومة واستسلم لحكم غيره.

  • العرب وعقدة المصاعب:
شرح بن خلدون طريقة العرب في الحرب في الماضي حيث لم يكن محبين للصعاب والطوق الوعرة، فكل أمة خلف جبل كانت في مأمن منهم لأن العرب لم يكونوا مهتمين بتسلق الهضاب والمرتفعات ولا خوض الصعاب قبل أي حرب، هذه العقدة وبعيداً عن الحروب نراها ما زالت قائمة فنحن حقاً نبتعد كل البعد عن أي خطر قد يواجهنا فنختار الأسهل حتى لو لم يكن جيداً بالنسبة لنا؛ ثم نسأل لماذا يتفوق الآخرون علينا؟.

  • الحكم الديني الأكثر مناسبة للعرب:
والسبب ببساطة أننا أصحاب جينات وحشية إن جاز الوصف، أي كل منا يسعى للرئاسة وكل منا لديه رأيه ويصعب علينا الانصياع لغيرنا كما أن أهواءنا لا تلتقي، والحل الوحيد لجمعها كلها هو الدين، لأنه واضح في أوامره القادمة من الله تعالى، الذي يؤمن به غالبية العرب على أنه الأعلى المنزه عن الخطأ. وهنا ذكر ابن خلدون نقطة لا بد من الإشادة بها وحفظها، وهي أننا نحن العرب الأقرب عبر التاريخ إلى الفطرة السليمة، ولذلك كنا دوماً الأسرع لقبول الحق كالدين الإسلامي ونبذ الظلم.

  • سر أن السيادة لأهل المدن لا البدو ولا القري:
فسر ابن خلدون ذلك بأن أهل البادية (ونحن نضيف القري) يعمدون في حياتهم إلى تأمين الضروريات فقط في حين أن أهل المدني باحثون عن الكماليات عبر الشراء مما لدى الآخرين من أهل القري والبادية، مما يؤدي في النهاية إلى أن حياة أهل البادية في يد أهل المدني ولكن العكس ليس كذلك؛ وبما أن الغذاء والحياة هي أساس الحكم والعمران فإن أهل المدن سيحكمون دوما أهل القرى والبادية لأنهم من يدفع المال الذي يؤمن بن البادية مصاريف حياته، حقيقة ابن خلدون هذه يستحال أن تجد لها نافياً في زماننا هذا حيث أن أهل المدن هم من يسيطرون على غذاء الناس في النهاية.

ملاحظة:
وإلى هنا ينتهي ملخص الباب الثاني من مقدمة ابن خلدون ونريد أن نقول إننا أعفلنا بشكل متعمد تلخيص بعض النقاط التي كانت تنطبق على زمانه في طرق الحكم وتسيير البلاد وأنواع البشر وهي غير موجودة الآن، وبما أننا نلخص للفائدة فلم يكن هناك حاجة منها.



الباب الثالث: في الدول العامة والملك والخلافة والمراتب السلطانية

جاء في هذا الباب الأفكار التالية:
  • كل حكم جديد يواجه مشاكل:
شرح ابن خلدون حقيقة أن كل نظام حكم جديد يواجه مشاكل كثيرة في البداية، وأعاد هذه الحقيقة إلى أن النفوس يصعب عليها الانقياد لهذه السلطة الجديدة لعدم الاعتياد، ومع مرور الزمن يصبح حكمهم أمراً واقعاً مقبولاً ويتأقلم عليه الناس.

وشرح في نفس المبحث عالمنا العربي نقطةً مهمة وهي أن أي نظام حكم يبدأ في البداية بالاعتماد على أهله وأقاربه لكنه بعد استقرار الدولة يستغني عن هذا الشكل من الحكم ويصبح الأمر عائداً للكفاءة أو المصلحة وذلك طبعا قبل انتشار اشكال الحكم الجديدة التي جاءت بعد ابن خلدون ونقصد هنا الحكم الديمقراطي او الحكم العسكري حيث اصبحت القبيلة والاهل فيهما إما الحزب أو الجيش.
  • الدول الدينية أكثر استقراراً:
أعاد ابن خلدون هذا إلى أن الصبغة الدينية تجعل التنافس والتحاسد في أقل درجاتهما حيث أن الدول الدينية يقل فيها الخلاف بين النخب، بل إن الأهداف تكون موحدة بشكل أكبر أو يضطر الناس شكلا للتوحد في الأهداف كما يحدث في بعض الدول الدينية في زمننا الحالي.

لكن ابن خلدون أوضح أن كل دولة دينية تقوم في البداية على عصبية للقبيلة إضافة إلى التعصب للدين، واستدل على ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام (ما بعث الله نبياً إلا في منعة من قومه). إلا أن ابن خلدون حذر من أن تستغل بعض القبائل الدين لتحقيق أهداف قبيلة فقط بعيداً عن أهداف الدولة والدين، وهو أمر نشاهده في بعض الدول هذه الأيام.

  • لماذا أفريقيا مفككة دوما؟
شرح ابن فلدون الذي قضى معظم حياته في شمال أفريقيا هذا الأمر بقوله إن فيها قبائل وعصبيات كثيرة مما جعل الأهواء مشتتة والأهداف مختلفة وهو ما يدفع لوجود عدد كبير من المشاكل في حال لم يتم خلق نظام يستوعب كل هذه القبائل، هذا النظام تأخر حتى الآن من دون الوصول لفكرة تضمن صقل هذه الاختلافات العرقية معاً، ويجب أن نوضح أن هناك فرقاً بين قبائل متجمعة وعرقيات مختلفة، فالولايات المتحدة فيها عرقيات مختلفة لكنهم لا يعيشوا على شكل قبائل موحدة الكلمة لما يفسر عدم وجود خلافات فيها بشكل يضر بتقدمها، كما أن هذا دليل على نجاح النظام الديمقراطي المطبق هناك باحتواء الشعب بكل اختلافاته العرقية.

  • طبائع الملوك بعد الاستقرار:
وصف ابن خلدون الملوك والحكام بشكل عام بعدة طبائع؛ ومن هذه الطبائع محبتهم أن يستأثروا بالمجد وهو مجد الإنجاز والسلطة المطلقة، كما أن من الطبائع المذكورة في المقدمة الترف في الملابس والابنية وهي عادة تنتقل من الحاكم إلى المحكمين، فتراهم يحاولون الدخول في عالم الترف قدر الإمكان تشبها بحكامهم، والطبع الثالث هو الاستقرار والسكون لشئون الحياة والابتعاد عن أمور السياسة والحرب من قبل الشعب.

وهذه الطبائع كما نفهمها موجودة حتى يومنا هذا ولو في الأنظمة الديموقراطية، فكل رئيس في النظام الديموقراطي يحاول توسيع صلاحياته من خلال الأغلبية البرلمانية التي يمتلكها ويحاول كذلك أن يستأثر بالمجد سواء كان أوباما في أمريكا أو غيره في دول اعتادت تداول السلطة، كما أن استمرار النظام الديمقراطي في بعض الدول لمدة طويلة بنفس الشكل جعل الشعوب تهتم بشؤون حياتها أكثر من السياسة مما يبرر ضعف نسب الأقبال الضعيفة جداً التي تشهدها انتخابات الرئاسة في تلك الدول.
  • لماذا تداول السلطة واجب؟
ابن خلدون لم يكن يدرك مفهوم تداول السلطة في عهده لكنه أعطى تفسير لحقائق تدعون للإيمان بأن تداول السلطة هو الحتمية التاريخية للراحة الإنسانية وهو الأساس التي يستطيع مساعدة البلاد على التقدم دوما.

وهذه الأسباب التي نفهمها من مقدمة ابن خلدون:
لأن الحاكم وبعد أن تستقر له الأمور يفقد طابعه الحماسي للرعية من حوله، مما يسبب الوهن في الدولة فيظهر الفساد هنا أو هناك مع تقدم الزمن، لأن استمرار نفس الحاكم لفترة طويلة يزيد من الفجوة بين الفقراء والاغنياء بسبب زيادة الإسراف الترفي لدى الفئة الحاكمة وهو ما سيؤثر على كل قطاعات البلد بما فيها الجيش الذي تتراجع معداته وأعداده بسبب هذا.

إن استمرار نفس الحاكم يخلق أجيالاً ساكنة غير مندفعة للعمل وهذا يؤدي إلى تراجع الإنتاج والإبداع مع الزمن وهو ربما يجعلنا نفهم تراجع الاتحاد السوفيتي في السباق مع الولايات المتحدة لاستمرار نفس العقلية في الحكم طوال السنوات الشيوعية.
ملاحظة: تم إعادة صياغة النقاط السابقة في ضوء التطورات التي حصلت على أشكال الحكم والنظام السياسي في العالم.

  • القاعدة الذهبية.. الدول لها أعمار كالأشخاص:
تعد هذه القاعدة أشهر ما قدمه ابن خلدون لعلم الاجتماع والسياسة كذلك، فحسب ما جاء في المقدمة فإن كل دولة يكون عمرها مستويًا لعمر ثلاثة أجيال حيث أن الجيل حسب عالمنا العربي يمتد عمره لأربعين سنة، مما يعني أن عمر الدولة الطبيعي هو مئة وعشرون عاماً.

لكن ابن خلدون لم يقل إن الدولة تندثر بعد هذا العمر بشكل مباشر، بل إنها تدخل في مرحلة الضعف المتزايد(الانحدار بعد الهرم) حتى لو جاء من يحتلها سقطت في يده، وفي عصرنا الحديث يمكن لنا أن نقول أن عمر الدولة يمكن تجديده بتغيير شكل الحكم والنظام السائد، فالولايات المتحدة مثلا يقال أنها ستحكم العالم حتى 2030 فقط، ثم تأتي الصين وتحل محلها، لكن لو قامت هذه الدولة بتغيير بعض الشيء بشكل نظامها المالي المحتكر وبطريقة سياستها الخارجية فهي قد تطيل عمر حكمها للعالم وهو ما يعني بالتأكيد الإطالة في عمرها كدولة، لكن ذلك يجب أن يكون قبل الدخول بمرحلة الانحدار.

ويجب أن نركز هنا على أن العلة بالاندثار ليس بالعمر ولا بالأجيال ولكن بطبائع البشر، فعادة ما يأتي جيل متخاذل بسبب حالة الاستقرار فيفقد الإبداع من الجهة والشجاعة في الحروب من جهة أخرى فيتراجع الاعمار في البلاد ويهتز اقتصادها مرات عديدة فيتفوق آخرون عليها إما اقتصادياً أو عسكرياً،

ولربما هذا يفسر ما نسمعه بعض الأحيان من علاقة الاكتئاب وحالات الانتحار بالاستقرار في بلد ما، فالحياة بلا أهداف وبتخاذل تشبه الموت مع فرق مكان الإقامة.

  • الترف والدولة:
رأى ابن خلدون أن الترف إذا عم الدول فهو بالتأكيد سيزيدها قوة، فمعنى الترف أن البلد تكون قد وصلت لمستوى اقتصادي معين يؤدي إلى زيادة عدد السكان بالتكاثر أو بتحسن المستوى الصحي، إضافة إلى تنوع الصناعات وارتفاع مستوى التعليم وغير ذلك.

وف زمننا هذا والذي لم يصل إليه ابن خلدون، اكتشفنا أن الترف يجب أن يدار بشكل صحيح وإلا تحول لمهلك للأجيال، فقد نجد أناسا لا يريدون العمل بسبب تأمين احتياجاتهم الأساسية وقد يؤدي هذا الترف إلى طمع الأعداء الأمر الذي يجعلنا نرى أن الترف لابد له من قوة عسكرية وإدارة صحيحة كي يزيد الدولة قوة، ومن الأمثلة الحية على صدق نظرية ابن خلدون بأن الترف يزيد الدولة قوة ما جرى ف طفرة التطور الاستهلاكي لدى المواطن الأمريكي في سبعينات وثمانينيات القرن الماضي، فمع نشوء هذه الحالة زادت الولايات قوة وتفوقت على الاتحاد السوفييتي، لكن بعد ذلك دخلت في الحتمية التاريخية من عدم القدرة على البقاء ف منحنى تصاعدي طوال عمر النظام.

  • لماذا يقلد الملوك أجدادهم وكذلك الرؤساء يقلدون السابقين لهم؟:
شرح ابن خلدون ذلك بما أطلق عليه أطوار الدولة، فهذا التقليد المفتقد للتغيير يعني أن الدولة تمر في طورها الرابع بعد طور فرض الحكم وطور تركيز السلطة بيد أشخاص محددين وطور حصد نتائج ما قاموا به من عمل ثم يأتي طور القنوع وفي هذا الطور الأخير حسب ما جاء في المقدمة فإن صاحب الحكم يكون قانعاً بما وجده، فيقتفي أثار من سبقوه خطوة بخطوة، كما أن الحاكم يخشى أن يؤدي أي تغيير إلى فساد البلاد وهذا للعلم ليس فقط في دول العالم الثالث بل هو موجود في دول متقدمة افتقدت إلى التغيير في الحاكم ومنها بريطانيا مثلا فخسرت سيادتها في العالم لأن النظام اكتفى بما وجده عند من قبله، ومن هنا يمكن لنا أن نفهم قول كثيرين:
(لا تراهنوا على الرئيس الأمريكي القادم، فلن يتغير شيء!).

  • لماذا لا بد لنا من حاكم؟
لأننا وحسب المقدمة لا نستطيع العيش إلا على شكل جماعات، وف حال تركنا هذه الجماعات تعيش من دون حاكم فإن الطبيعة الحيوانية ستنشط ف بعض الناس ومن نتائجها اعتداء كل منهم على الأخر لنيل حاجته من دون وجه حق وبغض النظر عن ظلم الأخر.

وبالتالي فإن وجود الحاكم هو نتيجة طبيعية لأن الإنسان اجتماعي بالأصل، وأكد ابن خلدون على أن أهمية الحاكم تتلخص بحمايته الناس من بعضهم البعض وبحماية البلاد من المعتدين وهو هنا يذكرنا بحكمة فالها رونالد ريغان الرئيس الأمريكي السابق:
(وظيفة الدولة أن تحمينا من بعضنا البعض، والخطأ أن تحاول حمايتنا من أنفسنا).

  • الذكاء عيب في السياسة!:
من أغرب وأجمل ما ذكره ابن خلدون في مقدمته أن الذكاء والحكمة العميقة تعتبر عيباً في صاحب السياسة، فهي افراط في الفكر فيحمل الحاكم على شعبه ما لا يستطيعوا استيعابه ولا الإيمان به.

واستشهد ابن خلدون بقصة عزل عمر بن الخطاب رضي الله عنه لزياد بن أبي سفيان وقوله له (لم أعزلك لعجز أو خيانة، ولكنني كرهت أن أحمل فضل عقلك على الناس)، وهذا ربما يجعلنا نفهم نجاح بعض السياسيين في العالم رغم افتقارهم للذكاء على العكس من العباقرة الذين نراهم يعانون في بداية السلم السياسي وقد ينسحبون مبكرا.

  • معنى الخلافة لدى ابن خلدون:
يصحح ابن خلدون مفهوم الخلافة الملتبس لدى البعض، فهو ببساطة وجود حاكم يسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية بما فيه مصلحة العباد ف الدنيا والأخرة ولم يشترط في حديثه عند تعريفها وجود خلافة مركزية كما كانت في العهد الأموي والعباسي وإنما ركز على هدف الحكم وطريقته.

والتفت كذلك إلى كلمة خلافة من ناحية دينية وقال هي خلافة رسول الله في تطبيق دينه، وهذا هو أصل التسمية وذهب لرفض أن نقول هي ( خلافة الله) لأن جمهور العلماء رفض الأمر وحجتهم ف هذا أن الله تعالى حاضر فلا خليفة لحاضر، وحذر ابن خلدون من الانقلاب على جوهر الخلافة، ففي الماضي انقلب كثيرون على الخلافة فأبقوا ظاهرها الدفاع عن الدين لكن باطنها الدفاع عن حكم أسرة أو قبيلة ما، وهو ما حدث مراراً منذ انتهاء خلافة الراشدين حتى يومنا هذا.

من هنا يمكن لنا أن نفهم أن الخلافة حسب ابن خلدون لا تقتضي وجود دولة مسلمة واحدة حول العالم، وإنما لو قامت كل دولة على حدا بهدف تطبيق شريعة الإسلام الصحيحة المتفق عليها لكانت تعتبر دولة خلاقة من غير الحاجة لجعل الهدف معقدا كما يحاول بعض المفكرين الإسلاميين حاليا من حصره بدولة إسلامية واحدة.

  • السيف والقلم وحاكم الدولة:
قال ابن خلدون إن أي حاكم جديد يستعين ف البداية بأصحاب القوة العسكرية والأمنية ليستدب له الحكم من خلال فرض الهيبة، وبعد ذلك تصبح الأهمية للقلم ويصبح هو الأكثر قربا من الحاكم، ويمكن لنا أن نفهم القلم في العصر الحديث أنه من يقوم بتشريع القانون وكذلك الإعلامي والمفكر والفنان كذلك، لأن كل هؤلاء يستعين بهم أي نظام كان لفرض أفكاره وتحقيق أهدافه سواء كانت أهداف لمصلحة عامة أو خاصة.

إذن مع تقدم الدولة تزداد أهمية المفكرين وأهمية أصحاب القلم وتتراجع نسبياً أهمية النظام الأمني، هذا في حال كانت الدول تمر بتقدم طبيعي من غير معوقات حضارية نراها في بعض الدول الأمنية السائدة حتى الآن وهي دول متجمدة في مكانها.

  • خطورة أن يصبح الحاكم تاجراً:
فالحاكم عادة ما يكون صاحب الصلاحيات والمال، مما يعني أن كل متاجرة ضده تجعل خصومه الخاسرين وهو ما يجعلهم أصحاب هم ومشاكل، وقد يتحولوا مع الزمن لأعداء للدولة، كما أن وجوده في السوق كحاكم سيجعل القوانين والأعراف معطلة فلن يجرؤ أحد على محاسبته بضريبة أو احتكار أو تلاعب بالأسعار إلى ما غير ذلك، وركز ابن خلدون على أن القوة المالية والصلاحيات ليست كل شيء، فالناس تخجل عند بيعها الحاكم من مفاوضته على السعر كما أن كثيرين يخشون الدخول بمنافسته مما يجعله محتكراً بشكل مبطن وحتى لو لم يظهر ذلك للعيان أو يطلبه منهم.

ولو نظرنا للتاريخ فيمكن لنا أن نضيف على ما جاء في المقدمة إن الشعب يقارن بين حاله وحال حاكمه كما ذكر الدكتور علي البدوي في كتابه (وعاظ السلاطين)، فعندما يجدون حاكمهم ميسوراً وهم يعانون يبدأ رفض كل شيء منه ولو كان جيداً ولو كانوا كذلك يقبلونه من حاكم سابق لم تظهر عليه علامات الثراء.

  • هبات الدول وعطاياها تعود لها:
فالدولة حسب ابن خلدون هي صاحبة الوزن الأكبر دوما من ناحية توفر الأموال بين أيدي رعاياها، وعندما توزع هذه الدولة المال على هؤلاء الرعايا على شكل هبات أو منح فالأمر يعود إليها على شكل ضرائب أو ما كان يسمى ف عصر كتابة المقدمة بالجباية.

ومما يزيد من أهمية منح المواطنين المال من قبل الدولة أن الأنظمة الحديثة تقتضي ف النهاية دفع المواطن للضرائب، وفي حال قامت هذه الحكومة بحبس المال لديها فإن كمية السيل النقدي تقل وهذا قد يهدد استقرار الأسواق فيها ويؤدي إلى انكماشها وتراجع الصادرات وخسارة فرص العمل مما يؤثر على الاستقرار الاجتماعي والاقتصاد ي في آن واحد.

  • الظلم يعيد البلاد إلى الخلف:
ففي تفسير ذكي لردود فعل البشر في هذه الحياة، جاء في المقدمة أن الظلم سواء كان مادياً أو معنوياً يثني الناس عن العمل وكسب رزقهم فهم يرون أن نهاية كل أعمالهم ستكون من نصيب الظالمين وأن جهدهم كله سيذهب أدراج الرياح حتى ولو لم يكن ذلك مؤكدا.

وبما أن الدولة قائمة على أهلها وسعيهم في إعمارها فمثل هذه النتائج للظلم تعيدها إلى الخلف، ولعلنا هنا نفهم ارتفاع مستوى التهرب من التعليم في دول ظالمة وكذلك نفهم انخفاض مستوى إنتاج الفرد كلما زاد الظلم ونحن في البلاد العربية لسنا بحاجة لشرح أكثر حول الموضوع حتى عام ٢٠١١ والله أعلم بما هو قادم وإن كنا نتمناه خيرا؛ وهذا التخلف في البلاد يشمل كافة المستويات وليس فقط العمل والتنمية الاقتصادية، بل ينعكس على ضعف الجيش وتراجع مستوى التعليم والصحة سواء كان ذلك في عصرنا الحالي أو في قديم الزمان؛ وأكد ابن خلدون أن من أسوا صور الظلم (الاحتكار) وحذر منه، حيث رأى فيه سرقة رسمية بحق المواطنين.

  • أولى علامات انهيار الدولة (النظام):
نريد أن نذكر هنا بأن المقصود بالدولة لدى ابن خلدون ليس الدولة بشعب وأرض وحكم، بل هو يقصد نظام الحكم السائد فيها لذلك فهو قال إن أول علامات الهرم في الدولة هي الانقسام، وقصد ابن خلدون بالانقسام أي شر واضح يحدث في الدولة (أو النظام) سواء كان ذلك انقسام حقيقي كما حصل في الاتحاد السوفييتي الذي بدأت بعض الدول تنشق عنه فانهار كاملاً بالنهاية، أو انقسام معنوي بحيث تصبح الدولة دولتين من حيث وجود نظام حاكم يستأثر وعصبته بالحكم ويعيشون ضمن قوانين خاصة بهم ف الدولة، وقسم أخر هو الشعب يعيش وفق قوانين أخرى ومعايير أخرى وهذا ما شاهدناه حديثاً قبل الثورات العربية التي أبادت تلك الأنظمة واقتلعتها من الحكم.

  • إذا بدأ الانهيار.. فلا نجاة حسب ابن خلدون:
فقد جاء ف المقدمة حكماً مطلقاً بأنه لو بدأ هرم الدولة ( أو النظام) بأخذ المنحنى التنازلي والهبوط نحو الأسوأ لا يمكن إصلاح الأمر، وقال ابن خلدون إن الأمر حتمي ولا قدرة للبشر على مقاومته حتى لو جاء سياسيون محنكون لإصلاح الأمور فإنهم يتوهمون ذلك لكن المنحنى سيستمر حتى انهيار النظام أو ربما الدولة، وأعاد ابن خلدون السبب الرئيسي لعدم قدرة الحكام على التغيير عند وصول النظام لهذه النقطة إلى وجود فئات معتادة على البذخ والرفاهية والنظام السائد الذي بدأ بالهرم، وهذه الفئات لا يمكنها أن تقبل التغيير ولا حتى أبناءها مما يؤدي إلى استمرار الهبوط ولو تم عملية تبطئته قليلاً حتى ساعة الانهيار.

  • أهم عوامل الخلل في أي دولة:
أوجز ابن خلدون بقوله إن الخلل يأتي في أي دولة من أمرين: الأول هو الخلل في النظام الأمني سواء كان ذلك بوجود عرق ما أو طائفة تسيطر عليه أو عصبة منتفعة تجمعها مصلحة معينة.

والأمر الثاني هو خلل مالي قد يخلق فئة أغنى من الدولة ذاتها فلا يرون سبباً لطاعة الأوامر ويحاولون تشكيل القوانين حسب مزاجهم، هذه الفئة قد تكون أفرادا أو جماعات وهم يتحالفون مع الدولة من أجل تجنب الصدام وهو ما تم تسميته قبيل الثورات العربية بالتزاوج بين رأس المال والحكومة، وهذا التزاوج حرب معلنة على الفقراء يستعين فيها أصحاب الأموال بالقانون والأمن ضد الناس.

ملاحظة: أغفلنا عديد الأقسام في هذا الباب، إما لأنها لم تعد محل تطبيق ولأنها أصبحت مسلمة لدى الناس يعرفونها جميعهم أو لأنها ذات طابع ديني بحت ليس هو الهدف من الملخص، فنحن نهدف للتركيز على النقاط المهمة التي لا يعرفها معظم الناس في هذا الملخص، ونذكر بأن قراءة الملخص من قبل المختصين لا تغنيهم عن قراءة المقدمة كاملة.


الباب الرابع: في البلدان والأمصار وسائر العمران:

جاء في هذا الباب الأفكار التالية:
  • وجهة نظره في الأبنية العظيمة في سابق الزمان:
تحدث ابن خلدون عن إيوان كسرى والأهرامات المصرية ورفض فكرة أن يكون الناس الذين بنوها أصحاب أجسام ممتدة وضخمة كما يتخيل البعض، بل أكد أن السبب ف الأبنية العظيمة هذه هو قوة الدولة ونموها الكبير الذي نتج عنه ما يلي :
- جمع عدد كبير من العاملين في المشاريع.
- القدرة على خلق المعدات اللازمة لمثل هذه الأصرحة الضخمة.
- حسن التنظيم والإدارة.
- أن هذه الدول العظيمة لو مات حاكمها تبقى قوية إلى حد كبير يمكن الحاكم التالي من إكمال البناء من دون حاجة للتوقف.
فرأي ابن خلدون يقوم على أن الأبنية العظيمة تأتي من دول قوية وعظيمة، لأن البناء المميز يحتاج للعمال ويحتاج للإدارة الجيدة والمعدات المفيدة وليس بسبب طول الناس ولا عرضهم ويحتاج كذلك أي مشروع للزمن الكاف من أجل اتمام إنشائه.

  • لماذا تأخر إعمار أفريقيا حتى الأن؟
من الواضح تماماً أن ابن خلدون قبل مئات السنين تحدث عن حالة ما زالت قائمة حتى الآن، فتحت عنوان (المدن والأمصار بأفريقيا والمغرب قليلة) ذكر أن الأسباب الرئيسية لتأخر إعمار أفريقيا تعود إلى طبيعة السكان الأصليين القبلية القوية جداً والصامدة في وجه التغييرات المعاصرة إضافة إلى عدم طول أمد أنظمة الحكم فيها مما يجعلها كثيرة التغيير بسبب الحروب أو الانقلابات كما نشاهد في عصرنا الحالي، وهو أمر يعني البدء من جديد مع كل نظام.

ومما يؤكد كلام ابن خلدون أن الدول العربية في أفريقيا والتي استقر فيها الحكم لنظام ما تطورت بشكل أكبر بكثير من دول أخرى غير عربية في القارة، لكن مؤخراً وبعد تطور النظام في جنوب افريقيا واستقراره ف أنغولا مثلاً بدأنا نشهد إعماراً ومدناً متطورة تقام هناك.

لماذا لم يترك العرب والمسلمون أثارا كثيرة أو عظيمة كما ترك الفراعنة أو الفرس؟
أجاب ابن خلدون عن هذا السؤال بعدة عوامل نسردها على شكل نقاط للتسهيل على القارئ..
- الطبيعة البدوية للعرب التي تبقى معهم مهما طال الزمن.
- أنهم كانوا أجانب على الدول التي قاموا بفتحها.
- أنهم استغنوا عن العمران بالاعتماد على ما وجدود في هذه الدول.
- الدين الإسلامي الذي ينهى عن المغالاة في البنيان والإسراف.
- قصر طول مدة استقرارهم في المناطق التي سيطروا عليها لأن الحروب المستمرة كانت تخرجهم منها بعض الأحيان، مما أوحى نفسيا بعدم نجاح الإعمار الذي يحتاج لطول الأمد.
- تسرعهم في التخطيط للمدن والبناء فيها، حيث أكثر ما كانوا يركزون عليها سهولة الزرع وسهولة الرعي وما إلى ذلك من الحاجات الأساسية غافلين عن أهمية المرافق الأخرى.


  • الفرد قادر على تدمير مدينة بكاملها:
فساد الفرد الواحد سيؤدي إلى فساد شخص آخر، فيبدأ الفساد يتكاثر في المدينة حتى يصبح أهله هم الأغلبية وهم القادرون على تحقيق مصالحهم مهما كانت دنيئة ومهما كانت الطريق لذلك، فقد تبدأ المشكلة بشخص واحد يكذب وبخدع فينتشر الأمر من شخص إلى آخر حتى يصبح صفة عامة في البلاد فيهتر كيانها بل يصبح الحكام على شاكلتهم فيكون الانهيار والخراب في النهاية.
هذا ما ذكره ابن خلدون عن خطورة الفرد الفاسد الوحيد، وهذا بالفعل ما نشاهده بأم أعيننا في أرض الواقع، والمطلوب منا واضح هو القيام بردة فعل نوضح فيها للكاذب كذبه ورفضنا لما يأتي به وعدم قبولنا إياه والتصفيق له.

  • مفاسد الحضارة حسب ابن خلدون:
ذكر ابن خلدون عدة مفاسد للوصول إلى حالة الحضارة (التفنن في الترف وتقديم أشكاله المختلفة) وهي:
- طاعة الشهوات وضعف التوازع الديني.
- زيادة صعوبة الحياة بسبب كثرة الحاجات الجديدة المخلوقة.
- غلاء الأسعار بشكل مبالغ به.
- سيادة مبدا الغاية تبرر الوسيلة.
- ارتفاع نسبة التفنن في شهوات البطن (أنواع الطعام وطرق تقديمه وأشكاله) وشهوات الفرج (كظهور أنواع غير سوية من العلاقات الجنسية كاللواط إضافة إلى زيادة العلاقات غير الشرعية).


ولا يمكن لنا مهما كان منطلقنا الفكري الذي نتحدث منه (ديتي - علماني .. الخ) أن ننكر ما ذكره ابن خلدون من مفاسد للحضارة، فعلينا أن نتذكر أن الحضارة لديه تعني نقطة القمة التي تبدأ بعدها انحدار الدول وهذه المفاسد ظهرت حتى في الحضارة الإسلامية عندما وصلت أوجها وبدأت في طور الانهيار، ولو نظرنا للحضارة الحديثة المقامة حالياً في العالم الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية. فإننا نجد كل ما سبق ولعل هذا إشارة قوية إلى أن هذه الحضارة وصلت أوجها وسوف تدخل الأن ف طور الهبوط بل هو حاصل فعلا، فحسب العديد من التقارير الصادرة عن مراكز أبحاث عالمية فإن الصين ستكون الدولة رقم ١ في العالم عام ٢٠٣٠ كما ذكرنا سابقاً وقد تكون الهند القوة الثالثة أو الثانية؛ هذا يعني أن الصين تعيش الآن في طور النمو حتى تصل القمة وعندها سنرى نفس السيناريو يتكرر هناك فتصبح الصين غالية الأسعار ويسود فيها الفساد الأخلاقي والأنماط الاستهلاكية حتى تظهر قوة جديدة وتصعد وتمر بنفس الطور.

ابن خلدون يفسر لنا ارتكاز كل ثورة عربية على مدينة معينة بعيدة عن العاصمة؛ فالجميع شاهد كيف كانت سيدي بوزيد مركز انطلاق الثورة التونسية وكذلك الحال في ليبيا مع بنغازي إلى ما غير ذلك من ثورات، ابن خلدون لديه تفسير لارتكاز كل ثورة أو بدء مرحلة سقوط النظام وخلق الدولة البديلة على مدينة، فقد شرح ف المقدمة أن سلطة النظام مع بدء مرحلة هرمه تضعف في المناطق البعيدة مما يؤدي إلى خلق قيادات جديدة فيها، وهذه القيادات تنشا بسبب الفطرة الإنسانية على وجود قيادة مما يدفع البعض للقفز والتدافع مع الأخرين من أجل هذا المنصب فتنشأ قيادة جديدة وتظهر المدينة القاصية كأنها مستقلة في بداية تضادها مع النظام لأن الأخير يكون عاجزاً عن فرض سلطاته في كل مكان، وتبقى تلك المدينة المركز حتى تتحرك المدن الأخرى على نفس النحو وهذا كان جلياً جداً في الثورات العربية التي بدأت ف عام ٢٠١٠.

  • لماذا تختلف لهجات المدن ف الدولة الواحدة:
شرح ابن خلدون هذا الأمر كذلك فهو لم يكد يجعل شيئاً ظاهراً في المجتمع يمر من دون تفسير، والسبب في اختلاف لهجات بعض المدن عن الأخرى واختلاط الأعراق فيها عبر التاريخ إضافة إلى التنوع الديني ما بين مدينة وأخرى.

ويعود التنوع الديني إلى قدوم الأديان السماوية الثلاث بالتناوب مما جعلنا نرى بعض المدن ترتكز فيها ديانة ما غير الإسلام في منطقتنا العربية، أما العرقي فهو عائد إلى تناوب المستعمرين للبلاد (عبر التاريخ وليس فقط في العصر الحديث) مما يدخل كلمات جديدة إلى البلاد مع كل استعمار جديد وف المنطقة التي يسيطرون عليها، وكلما كانت لغة أهل المدينة أقرب للعربية فهذا يعني أن سكانها منحدرين بغالبيتهم من أعراق عربية أو أنهم أكثر تمسكاً بالدين الإسلامي أو أقل تعرضا للاستعمار الأجنبي.



الباب الخامس: في المعاش ووجوهه من الكسب والصنائع

جاء في هذا الباب الأفكار التالية:
  • العلاقة بين العمران والأعمال والرزق:
بعيدا عن مفهوم الرزق من ناحية دينية وهو مبحث شرعي تطرق له ابن خلدون، نريد التحدت عن نقطة مهمة التفت إليها الفيلسوف العربي؛ فقد توصل ف هذا الكتاب قبل غيره من علماء الاقتصاد ف العصر الحديث إلى حقيقة أن تنوع الأعمال وزيادة عددها يعني زيادة ف معدل الكسب لأهل البلد كما أنه ربط مقدار الدخل بشكل مباشر بمقدار التعمير السائد في البلاد.

ومن الواضح أن كل بلاد تشهد طفرة في الإنشاءات والبناء تشهد معها ارتفاعاً في معدل الدخل للناس مهما كانت صنعتهم، كما أن هناك دولاً في هذا العصر لا تملك أي مصدر طبيعي للثروات لكنها تملك تنويعا كبيرا في الأعمال ساعدها على إنعاش الدخل الفردي ومنه كان تنشيط حركة الاقتصاد ككل فأصبحت قوة اقتصادية عالمية.

  • استخراج الكنوز والمال المدفون:
كلما مضينا في قراءة المقدمة كلما فاجأنا ابن خلدون بذكره لكل شيء في مقدمته، فهو ذكر قصة حرص البعض على المحاولة من أجل استخراج الأموال من تحت الأرض ووصفهم بضعفاء العقول لأنهم يعتقدون أن أموال الأمم السابقة كلها مختزنة تحت الأرض وأنها مختومة بطلاسم سحرية.

وأكد ابن خلدون أن الخرافات الشائعة حتى الآن من تحول الذهب لديدان وخروج مقاتلين لحماية الدفائن ما هي إلا كذبة منتشرة في كل بقاع الأرض منذ الزمن البعيد وليس في عالمنا العربي وحسب، وتحدث عن أن الإيمان بهذه الأمور يأتي عندما يعجز البعض عن الكسب بشكل طبيعي فيصدق الخرافات ويسعى إليها مما يساعد على نشرها وجعلها حية حتى يومنا هذا.

وأما عن مصير الأموال في الأمم السابقة فقد رأى أنها نقلت من بلد إلى آخر عبر التاريخ، كما أن بعضها تحول لأمور ملموسة مادياً كالمباني التي نراها شامخة حتى الآن والتي تحتاج للمال الكثير من أجل إتمامها، وبالتالي فإن المال لن يبقى في مكان واحد فهو يتحرك ولو نقص في بلدٍ ما، فهذا يعني بالتأكيد زيادته في بلد أخر.

  • العلاقة بين المال والجاه:
يمكن لنا أن نجعل الجاه الذي استخدمه ابن خلدون أكثر عمومية ونقول هو يشمل العائلة الكبيرة إضافة إلى العلاقات العامة التي يملكها الإنسان. وقد رأى ابن خلدون أن الرجل ذو المال من دون جاه يبقى تيسير أموره حسب مقدار ماله لكن صاحب المال مع الجاه يستطيع الحصول على خدمات أكثر (وبشكل قانوني) مما يجعله أسرع في نمو رأس ماله.

وللتأكيد على ما جاء به رجلنا الرائع فإن دراسات كثيرة أكدت أن ٧٠% من المشاريع الناجحة ف الولايات المتحدة الأمريكية نجحت بسبب العلاقات التي توفرت لأصحابها وليس بسبب رأس المال أو الذكاء الكبير، ومن الأمثلة على ذلك أننا لو نظرنا للفيسبوك فإن التمويل الذي جاء إليه ليصنع موقعاً عالمياً جاء عبر علاقة مع مالك موقع نابستر سابقاً الذي ساعده بالعلاقات مع المستثمرين.

  • المنطق يقول إن علماء الدين لا يصبحون أصحاب ثروة:
فقد أكد ابن خلدون أن رجالات الدين لا يمكن لهم أن يصبحوا أثرياء ما داموا ملتزمين بنهجهم الدعوي أو التوعوي الديني، والسبب في ذلك أن ما يقدموه للناس لا يعتبره العامة أساسيا لحياتهم فهم عادة ما يعرفون أركان دينهم من أهلهم، ولأن الأهمية هي مقياس الدخل فإن دخلهم يكون محدوداً، على العكس من ذلك فلو رأينا رجل دين تزداد ثروته من دون تجارة واضحة فاعلم أن له هدف غير الدعوة والتعليم، وأشهر الأهداف من هذا ما يسمى بعلماء السلاطين الذين يصدرون الفتاوى حسب رغبات الحكومات والنافذين في السلطة فيكون منهم التذلل ويكون من الحاكم المال والثروة.

  • ما هي صفات التاجر الناجح؟
ذكر ابن خلدون أن معنى التجارة البسيط هو شراء البضائع بسعر منخفض وبيعها بصفقة أعلى والهدف دوماً هو تنمية المال، ويرى ابن خلدون أن أهم صفات التاجر هي الجرأة من أجل حقه فلا يخشى المواجهة، كما ينبغي له أن يكون فاهماً لقانون التجارة إضافة إلى محاولته بناء علاقات جيدة لتشكيل ما يعرف بالجاه، كما أن على التاجر أن لا يخجل بطلب حقوقه من الأخرين لأن في ذلك تماديهم عليه، يضاف إلى ذلك القواعد البسيطة المعروفة من فهمه للسوق وعدم تسرعه بالقرارات إضاقة إلى المحافظة على سمعته.


  • في ضرورة بيع البضائع في وقت قصير:
يبدو أن ابن خلدون كان عالماً اقتصادياً أيضا والناس لا تدري، فالرجل أكد إن عملية الربح ليست فقط مقدار مادي وانتهى، بل ذهب للتذكير بأن هذا الربح يجب أن يتم بمدة زمنية معقولة كي لا يتم تجميد المال لفترة طويلة يكون خلالها التاجر يستخدم رأس ماله في النفقات الأخرى.

وأكد ابن خلدون أن البضائع التي ينخفض أسعارها فجأة ويطول انخفاض سعرها لسبب أو لأخر تؤدي عادة إلى خروج بعض التجار من السوق مفلسين أو خاسرين بشكل كبير.

  • الحضارة والصناعة توأمان:
فقد قال ابن خلدون إن العمران هو جوهر الحضارة وبما أن هذا العمران يستوجب الصناعة فإن الصناعة والحضارة يصبحان توأمان، وجاء في المقدمة كذلك أن هذه الصناعات تزيد مع طول أمد الحضارة القائمة مما يفسر ظهور بعض الصناعات الجديدة على الحضارة العربية الإسلامية كالغناء والكتابة والترجمة وحتى ترتيب البيوت بشكل احتراف بما يعرف لدينا الآن بالديكور الداخلي.

وعلى العكس تماماً فإن اقتراب سقوط الدولة له مؤشر مرتبط بالصناعات، فقد رأى ابن خلدون أن قلة الصناعات وتراجع جودتها مؤشر على تراجع الطلب في السوق مما يعني أننا قد وصلنا بداية الانحدار في هرم الدولة.

  • لماذا كان الصناعيون في الحضارة العربية الإسلامية من غير العرب؟
السبب عند ابن خلدون هو أصول العرب البدوية القائمة على الاستعانة بالحيوانات من أجل تأمين الغذاء الأساسي للحياة، وهنا يقصد ابن خلدون العرب الذين أقاموا الحضارة وليس العرب الحاليين فنحن تعلمنا الصناعات من الفرس وغيرهم ممن دخلوا في الإسلام أو تعايشوا معنا ف المنطقة.

  • السبع صنايع ليست ف قاموس ابن خلدون:
فقد أكد فيلسوفنا العربي أن صاحب الصنعة لو رسخت ف نفسه لا يستطيع اكتساب مهارة صنعة أخرى بشكل يتمكن به من اتقان العملين معا، وقد أعاد ابن خلدون ذلك إلى أن مهارات الصناعة لنوع من صفات النفس وألوان تميزها؛ وفي حال تم صبغ النفس بلون مهني بشكل كامل يصعب عليها قبول أي مهنة أخرى لأن ذلك سيعتبر كنوع من الإخلال بالفطرة، ويقصد ابن خلدون بعدم القدرة على الجمع بين صنعتين أي عدم الجمع على دقة وإحكام العمل بصنعتين.

أمهات الصنائع لدى ابن خلدون:

يجب أن ندرك أن هناك اختلافاً بين زماننا وزمان واضع أسس علم الاجتماع، فقد رأى ابن خلدون أن أمهات الصنائع هي المهن التي لا يتم العمران إلا بها وهي شريفة بموضوعها وتقديمها ما يخدم عقل وفكر الإنسان.

وبناء على تعريفه لأمهات الصنائع فقد ذكر في مقدمته أن أنها: الزراعة والفلاحة - البناء - النجارة - الحياكة والخياطة - الطب المختص بتوليد النساء بشكل آمن للطفل وأمه - الطب بشكل عام - الكتابة - صناعة النشر (الآن دور النشر والطباعة) - صناعة الغناء بوجود شعر موزون وكلمة راقية.

  • الصنعة تصيغ عقل صاحبها:
ذهب ابن خلدون للقول إن تكرار العمل ذاته والانشغال به يؤثر بداية على العلوم المكتسبة والقوانين المطبقة فيه، بعد ذلك يتحول العلم وقوانينه لمؤثر قوي على تشكيل العقل حتى يتم صقله بناء على نوع المهنة، فقد رأى ابن خلدون أن الكاتب مثلاً يكون منشغلاً في حياته العادية بالنظر في أمور مختلفة متنوعة، كما أن الحاسب يبقى مدققاً في كل الأرقام ويحب الاستدلال ومقارنة الأمور ببعضها البعض.

ملاحظة: لم نقم بنقل تلخيص بعض الفصول في هذا الباب لأنها باتت من الشكل القديم للتجارة والاقتصاد، أو أنها أصبحت مسلمة من مسلمات الحياة التي لا نزيدكم فيها معرفة بهذا الملخص، كما أن علينا التذكير بأن ابن خلدون مؤرخ إضافة إلى فلسفته الاجتماعية لذلك حاولنا التقليل قدر الإمكان من الجانب التاريخي في الفصل هذا.




الباب السادس: في العلوم وأصنافها.

جاء في هذا الباب الأفكار التالية:
  • التعليم والعلم يميزان الإنسان عن غيره:
فقد اشترك الإنسان مع الحيوان بالحركة والإحساس وكذلك بطريقة التغذية، لكن ما ميز الإنسان عن هذه الكائنات هو الفكر الذي جعله يربط الأمور بعضها ببعض ويقبل الدين ويدرك ما يفيده ويبتعد عما يضره؛ ونتيجة لهذا الفكر ينشأ العلم الذي يعطي الإنسان التميز الحقيقي عن الكائنات الأخرى، فالفكر بحد ذاته موقوف الفائدة حتى يتم توليد العلوم والتي منها تنشا الصناعات المختلفة فيكون دور الإنسان واضحا بالعمران ف الأرض ويتميز عن غيره بتطور قدراته المستمرة.

  • تطور العلوم والصناعات مرتبطة مباشرة بالحضارة:
فالعلوم مرتبطة مباشرة بالصناعات وتعليم العلم نوع من الصناعات كذلك، ومن أوجه تطور الحضارة أن نشهد تطوراً في الصنائع وكذلك ف العلوم، كما أن جودة هذه العلوم وطريقة تعليمها إضافة إلى جودة الصناعة وإتقانها وتوسعها لهي مؤشر مباشر على قوة الدولة والحضارة التي تنشا فيها.

  • أصناف العلوم:
قام ابن خلدون بتصنيف العلوم إلى قسمين: صنف طبيعي يهتدي إليه الإنسان بفكره وهو ما يشبه العلوم الفلسفية والناتجة عن الحكمة وإعمال العقل، والصنف الثاني هو النقلي الذي يتم أخذه ممن توصل إليه من قبل ويكون الاعتماد بشكل كبير فيه على الأخذ وليس على العقل.

وذكر ابن خلدون في مقدمته عدداً من العلوم مثل علوم القرآن والتفسير والحديث والفقه وأصوله والطب والمنطق والهندسة وعلم الزراعة إضافة إلى علوم أخرى.

  • شرح مقولة ( الإنسان مدني الطبع):
شرح ابن خلدون معنى هذه المقولة الشائعة بقوله إنها تعني أن الإنسان لا يتمكن من الحياة منفرداً مهما حاول، ولا يتم وجوده إلا مع أبناء جنسه لعجزه عن استكمال كل ضروريات حياته لوحده، وقد شرح ابن خلدون أن من موجبات هذه المدنية وجود تعاون وعلاقات هادفة بين أبناء الجنس الواحد للحصول على الطعام وتحقيق العمران وضمان الصحة والأمن إلى ما غير ذلك، وهذا الطبع المدني هو ما يولد العداوات والصداقات بين الأفراد الحروب والسلام بين الدول والقبائل.

  • من شروط كمال الإنسان اكتسابه العلم والمعرفة:
يرى ابن خلدون أن الإنسان يولد وعقله ورقة بيضاء لا شيء فيها، ثم يكتمل خلقه وإنسانيته باكتسابه العلوم بطرق مختلفة واستشهد على القناعة هذه بقوله تعالى: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)"وقال أن المعنى أن الانسان لم يكن له علم عند ولادته، ويبدو كلام ابن خلدون مناسباً خصوصاً لمعتقدي الدين الإسلامي، فالهدف من خلق الإنسان العبادة وكذلك عمارة الأرض وهي أمور يستحال أن تتم من دون العلوم؛ سواء كانت نقليه أو عقلية وهو ما يجعلنا نفهم أن ابن خلدون ورغم عالميته إلا أنه كان مستنداً دوماً إلى الإسلام في كل اجتهاداته.

  • موقف ابن خلدون من الفلسفة:
رغم أن ابن خلدون وضع عنواناً يوحي برفضه الفلسفة جملة وتفصيلاً والذي كان (في إبطال الفلسفة وفساد منتحلها ) لكنه خلال شرح نقاط ضعف الفلسفة ذكر لها بعض الإيجابيات التي ألمح إلى ضرورة استخدامها متنازلاً تحت حقيقة أهميتها.

ويرى ابن خلدون أن مشكلة الفلسفة المباشرة هي تعارضها مع الدين بسبب خوضها في مسائل الوجودية الواضحة لدينا في الشرائع السماوية، ورفض بالتالي الاستدلال بالعقل على أمور لا نراها لأن ذلك ليس بالجواب الأكيد وقد يتناقض الاستنتاج مع ما جاء في القران والسنة، ولماذا البحث إذن حسب ابن خلدون عن قضايا واضحة في الدين مما أوجب لديه التحذير منها حسب وجهة نظره؛ لكنه في نفس الوقت كان عادلاً عندما مدح الفلسفة بقدرتها على شحذ الذهن وترتيب الأفكار والأدلة. ورأى أن استخدام أساليبها تساعدنا على تقديم براهين صائبة لا جدال فيها، وبالتالي هو يرى جواز النظر فيها والقراءة في مباحثها لكن علينا الحذر مما يخالف شريعتنا.

  • السقطة الأكبر لابن خلدون:
كل ما في مقدمة ابن خلدون كان رائعاً إلا موقفه من علم الكيمياء فقد خلط الرجل ربما تحت ضغوط الغذاء الطبيعي لأي علم جديد ما بين الكيمياء والخيمياء فقد خلط بين عمل جابر بن حيان وابن سينا وعمل آخرين ادعو أنهم يستطيعوا تحويل إلى ذهب وما شابه.

فقد أنكر ابن خلدون بشكل واضح امكانية نجاح هذا العلم وحتى إمكانية استخدامه لغايات مفيدة واتهم أصحابها بالسحر أو القرب منه في ظل عدم فهمه لها وكيف تعمل، وهو خطا واضح لأن الكيمياء الآن تقف بشكل مباشر خلف عديد الإنجازات العلمية المختلفة وأهمها الطبية.

  • كثرة التأليف ليست ظاهرة صحية:
رأى ابن خلدون أن الإكثار من التأليف في العلوم يؤدي إلى استصعاب تحصيلها من قبل الناس، فالكثرة تؤد ي إلى كثرة المصطلحات والطرق والقناعات وهي أمور يصعب جمعها من قبل طالب العالم الواحد.

وهذا التعدد الكبير يؤدي إلى فصور من كثير الطلبة بالمباحث المهمة في مقابل تذكرهم الأقل الأهمية، لذلك طالب بوضوح أن يكون التعليم قائماً على القضايا الأساسية الجوهرية ومن بعدها يتوسع الطالب بجهده البحثي وحسب ما يواجه من تحديات.

  • موقف ابن خلدون من الاختصار في التعليم:
رأى ابن خلدون أن ظاهرة الاختصار والتكثيف اللغوي ف العلوم غير صحيحة، فهو يعتقد أن الاختصار المكثف يؤدي إلى مشاكل ف الفهم وربما سوء ترتيب ف إرسال الأفكار للقارئ الذي يجب أن يتلقى العلم بشكل تراكمي وليس على دفعة واحدة.

ويمكن لنا أن نعلق على ما جاء به ابن خلدون بقولنا إن كلامه صحيح في حال كانت الكتابة لغايات التعليم والعلم، لكن في مجالات الثقافة والمعلومات العامة فإن الاختصار يشجع القارئ نفسيا على القراءة لأن قراءة ١٠٠ صفحة بالتأكيد أكثر تشجيعا من قراءة ١٠٠٠ صفحة.

  • موقف ابن خلدون من التشديد على المتعلمين:
رفض ابن خلدون تماماً التشديد على المتعلمين مما يجعلنا نتأكد من أن الزمن الذي ساد في بلادنا من تشديد على الطلاب لم يكن موجوداً في زمنه ككثير من الأحوال الأخرى التي كان أفضل في عصر ابن خلدون مما هي عليه في عصرنا، فقد رأى العالم العربي أن التشديد يجعل الطالب يشعر بالقهر وتضيق نفسه مما يؤدي إلى خفض نشاطه الذهني وتحوله لكسول كما أن من شأن التشديد تحويل
الطالب إلى كاذب متبع لأساليب خبيثة للهروب من العقاب.

ورأى ابن خلدون أن هذا الأمر ينطبق تماماً على الأمم، فالأمم التي تتعرض للقهر يزداد فيها نسبة المكر والخبث ورأى أن تعرض اليهود إلى الظلم في فترات من التاريخ أدى بهم إلى هذه الصفات التي يجمع الجميع عليها بخصوصهم.

  • وجهة نظر ابن خلدون في تطوير مستوانا اللغوي:
لخص ابن خلدون الطريق الصحيح كي نطور من لغتنا بقوله إن علينا حفظ عدد كبير من المقاطع اللغوية أدبية عالية الجودة، كما يفضل تكرار هذه المقاطع وفهمها بشكل جيد وتوظيفها في كتاباتنا.

ويمكن لنا أن نضيف هنا القراءة كوسيلة مهمة لتطوير المستوى اللغوي لدى القارئ، لذلك استوجب على من يبحث عن لغة أفضل القراءة والحفظ في أفضل الكتب المكتوبة بلغة ممتازة.

ملاحظة: ورد في هذا الفصل شرح طويل لأنواع العلوم المختلفة التي لا نرى أن هناك فائدة للقارئ بالدخول ف تفاصيلها إن لم يكن مختصاً بأحدها أو يرغب بالاختصاص فيها مستقبلاً، لذلك وكي نضمن أقل عدد من الصفحات للقارئ العزيز بأكبر قدر ممكن من الفائدة كان ذكرها يكفي ولمن يريد معرفة تفاصيل العلوم هذه فعليه باستخدام محرك البحث جوجل وسيجد ما هو أكبر وأكثر تفصيلاً مما ذكره فيلسوفنا الرائع.

كما ورد في هذا الباب شرح مفصل لتطور اللسان العربي الذي لا يهم سوى المختصين بعلوم اللغة وتطور اللسان العربي، لذلك على من كان مهتماً في هذه المباحث فتح مقدمة ابن خلدون والقراءة في تاريخ هذا الشأن.

  • خاتمة:
الحمد لله الذي أعاننا ويسر لنا من يعيننا لتلخيص هذا العمل العربي الثمين، هدفنا كما كررنا في أكثر من مناسبة نقل أهم ما جاء في المقدمة للقارئ غير المختص من أجل إدراك قيمة هذه المقدمة التي جعلت العالم كله يعتبر ابن خلدون كواحد من أفضل المؤرخين ف تاريخ البشرية كلها، وكل ما نتمناه أن يكون هذا العمل مفيداً فعلا للناس، وأن يستطيع القارئ العربي استخلاص الفوائد منه ونقلها لمن يعرفهم شفويا أو كتابياً لتعم الفائدة ويتطور الفكر، فكل ما نحتاجه من أجل تعود هذه الأمة العربية رائدة هو ثقافة وطريقة تفكير صحيحة.

تعليقات