هذا الراجل نعرفه جميعًا.. شخص غير مستقر عاطفيًّا، وأفعاله غير متوقعه، وظنه في الناس دائمًا سيئ.
يشعر بالخزي وبأن الآخرين قد هجروه، وفي نفس الوقت لا يشعر بالحرج في أن يسيء لأحد أو يخون أقرب الناس إليه، كما أن استغلال الآخرين بالنسبة إليه أمر عادي.
ولو دخلنا أكثر في نفسيته فسنجده يشعر بالعظمة والتفوق على الآخرين، وأنه يستحق معاملة خاصة ومميزة ويستحق أن يكون استثناء لأي قاعدة تسري على الباقين.
هذا الشخص هو "النرجسي"، الذي يمكن أن يكون أنا أو أنت أو أي شخص قريب منا.
في حلقة اليوم سنقترب قليلًا من الشخص النرجسي، وسنتعرف عليه وعلى أصول النرجسية لديه، وسنعرف أفضل الطرق للتعامل معاه. فهيا بنا.
- أنواع النرجسية.
أولها النرجسية الصريحة، وتجد الشخص المصاب بها:
* مستغرق في ذاته، يتصرف كأن كل شيء يدور حوله وأنه محور الكون.
* وستجده يضع قواعد لشيء ما ويخالفها بنفسه، لأنه يرى نفسه شخصًا متميزًا عن البقية.
* كما يحبط غيره ويتنمر عليه.
* شكّاك بامتياز.
* يبحث عن الكمال، لأن معاييره مرتفعة، فإما أن تفعل الأشياء على طريقته وإما لا تفعلها.
* وهذا يجعله شخصًا مغرورًا، يؤمن بتفوقه عليك وعلى الآخرين.
* ومن ثم يكون قاسيًا.
باختصار، هذا الشخص عاجز عن التأقلم بصورة كافية مع الظروف المحيطة أو مع التوقعات الأساسية في العلاقات الإنسانية.
أما النرجسية الكامنة وهي النوع التاني، فتجد الشخص فيها:
* يظهر بمظهر فضفاض، فلن يكون صريحًا مثل النوع السابق، لكنه يختبئ وراء قناع زائف.
يقول مثلًا: (أنا لن أتكلم عن التبرع الكبير الذي دفعته لجمعية خيرية. أنا لست من هذا النوع ولا أحتاج إلى مدح أحد). ولهذا معنى خفي، وهو أن النرجسي نرجسية كامنة شخص:
متعطش للثناء، بسبب الألم الذي يعاني منه الطفل المحروم بداخله، الذي يسعى للظهور والتقدير وهذا واضح في تعطشه للتقدير كشخص استثنائي.
كما أنه لا يستطيع الهرب من الألم الذي بداخله لو كان الثناء الذي يحصل عليه قليلًا أو بدأ الاهتمام به يقل، ويبدأ مزاجه في التغير، وتصبح شخصيته قاسية.
وثالث نوع هو النرجسية السليمة، التي تجمع بين بذور الثقة واحترام النفس.
بمعنى أنه لا بأس عندما يعبر طفلك عن انزعاجه العاطفي والجسدي، خاصةً في سنواته الأولى التي لا يتكلم فيها؛ العصبية أو البكاء أو طلب الاهتمام للحصول على الحماية والراحة واللعب مناسبون لنمو الطفل، لكن أنت كوالد للطفل وكأم له في هذه المرحلة عليكما أمران: الأول أن توفروا له الدعم العاطفي والجسدي، وفي نفس الوقت تصنعوا له حدودًا معقولة.
أما الأمر الثاني فحاولوا أن تبنوا توازنًا بين انفتاح الطفل على الآخرين وبين اهتمامه بنفسه وشعوره بأن له ذاته وكيانه الخاص به.
لو استطعتما توفير هذين الأمرين ستساعداه على تطوير نرجسيته السليمة.
وهذه النرجسية السليمة ستجعله قادرًا على التعبير عن احتياجاته وطلبها، وقادرًا على قول وعود والالتزام بها، وستعزز من إحساسه بالمسؤولية ومعاملة الآخرين بالمثل، وستجعل تعلقه بالآخرين أكثر ثباتًا وصلابة، فليس هناك خوف من هذا النوع.
ومسؤوليتك كوالد أن تنميها في طفلك، ولا تجعله تابعًا لك ولا لغيرك.
إذًا كيف أصابت النرجسية هذا الطفل أساسًا حتى ننميها؟ وكيف يصبح أي شخص نرجسيًّا من طفولته؟
النرجسية بشكل عام لها أسباب تدفعها للظهور.
ويكون هذا نتيجة خلل ما في تربية الطفل، ولكي نعرف ما الخلل فهناك نظريات كثيرة تناولت هذا الأمر، منها:
* يظهر بمظهر فضفاض، فلن يكون صريحًا مثل النوع السابق، لكنه يختبئ وراء قناع زائف.
يقول مثلًا: (أنا لن أتكلم عن التبرع الكبير الذي دفعته لجمعية خيرية. أنا لست من هذا النوع ولا أحتاج إلى مدح أحد). ولهذا معنى خفي، وهو أن النرجسي نرجسية كامنة شخص:
متعطش للثناء، بسبب الألم الذي يعاني منه الطفل المحروم بداخله، الذي يسعى للظهور والتقدير وهذا واضح في تعطشه للتقدير كشخص استثنائي.
كما أنه لا يستطيع الهرب من الألم الذي بداخله لو كان الثناء الذي يحصل عليه قليلًا أو بدأ الاهتمام به يقل، ويبدأ مزاجه في التغير، وتصبح شخصيته قاسية.
وثالث نوع هو النرجسية السليمة، التي تجمع بين بذور الثقة واحترام النفس.
بمعنى أنه لا بأس عندما يعبر طفلك عن انزعاجه العاطفي والجسدي، خاصةً في سنواته الأولى التي لا يتكلم فيها؛ العصبية أو البكاء أو طلب الاهتمام للحصول على الحماية والراحة واللعب مناسبون لنمو الطفل، لكن أنت كوالد للطفل وكأم له في هذه المرحلة عليكما أمران: الأول أن توفروا له الدعم العاطفي والجسدي، وفي نفس الوقت تصنعوا له حدودًا معقولة.
أما الأمر الثاني فحاولوا أن تبنوا توازنًا بين انفتاح الطفل على الآخرين وبين اهتمامه بنفسه وشعوره بأن له ذاته وكيانه الخاص به.
لو استطعتما توفير هذين الأمرين ستساعداه على تطوير نرجسيته السليمة.
وهذه النرجسية السليمة ستجعله قادرًا على التعبير عن احتياجاته وطلبها، وقادرًا على قول وعود والالتزام بها، وستعزز من إحساسه بالمسؤولية ومعاملة الآخرين بالمثل، وستجعل تعلقه بالآخرين أكثر ثباتًا وصلابة، فليس هناك خوف من هذا النوع.
ومسؤوليتك كوالد أن تنميها في طفلك، ولا تجعله تابعًا لك ولا لغيرك.
إذًا كيف أصابت النرجسية هذا الطفل أساسًا حتى ننميها؟ وكيف يصبح أي شخص نرجسيًّا من طفولته؟
النرجسية بشكل عام لها أسباب تدفعها للظهور.
- أصول (أسباب) النرجسية.
ويكون هذا نتيجة خلل ما في تربية الطفل، ولكي نعرف ما الخلل فهناك نظريات كثيرة تناولت هذا الأمر، منها:
الطفل المدلل، وهذه أول نظرية
وتعتقد أن النرجسي يمكن أن يكون قد نشأ في بيئة شجعته على النرجسية، سواء:
زرع فيه الوالدان فكرة أنه أفضل من كل الآخرين وأنه أعلى منهم.
أو أنهما لم يضعا له حدودًا ولم يعاقباه عقابًا سويًّا وصحيًّا لو تجاوزها.
أو أنهما كانا يريحانه ولم يعوداه أن يتأقلم مع الظروف الطارئة والصعبة.
تعامل الوالدين مع الطفل بهذا الشكل جعله جاهزًا لصياغة قوانينه الخاصة في مرحلة البلوغ.
ببساطة، هما وضعا حجر الأساس لنمو شخص نرجسي مدلل.
أما ثاني نظرية أو سبب للنرجسية فهو الطفل الاتكالي.
هذه النظرية تعتقد أن أحد والدي الطفل سَهّل حياته لأبعد الحدود، وكان يفعل كل شيء بالنيابة عن الطفل بدلًا من تعليمه وتشجيعه على تطوير مهارات مناسبة لسنه، لتنفيذ المهام والتعامل مع الآخرين.
ونتيجة لذلك، فقد الطفل الإحساس بالكفاءة الشخصية واكتسب شعورًا بالعجز والتبعية.
وربما يكون قد نشأ داخله شعور بأن من حقه الجلوس وأداء الآخرين لأي عمل بالنيابة عنه، ومن ثم لم يكن يرى أن من واجبه التعامل مع خيبة الأمل أو الانكسار الذي يصيب مشاعره نتيجة اتخاذ قرار خاطئ مثلًا أو نتيجة الفشل لأنه في نظر نفسه "مجرد تابع" وغير مسؤول.
النظرية الثالثة هي نظرية:الطفل الوحيد المحروم.
وهي أكثر النظريات شيوعًا.
وتقول إن الطفل أصبح نرجسيًّا لأنه نشأ في جو من الحب المشروط، أي أنه يلزم لأن يحبه أهله أن يكون قد عمل شيئًا جيدًا.
فهو لم يحصل على إرشاد أو تشجيع لاكتشاف ميوله الحقيقية، ولم يحصل على حضن دافئ يجعله يشعر بالأمان والرعاية بغض النظر عن إنجازاته.
لم يعلمه أحد كيف يقدر أوضاع الآخرين، أو كيف يشعر بالمشاعر الداخلية لشخص آخر، لأنه لم يرَ أمامه من يفعل ذلك.
رأى العلاقات الشخصية حوليه جافة وخالية من التعاطف ومليئة بالخزي والنقص، والنقد الجارح والمباشر.
فهو شخص مثالي، بسبب انتظار أهله منه أن يكون الأفضل، وهذا غرس فيه فكرة مضمونها إن لم يكن مثاليًّا، فهو ناقص ولا يستحق الحب، مع أن المثالية ليست شيئًا صحيحًا
فهذا الطفل المحروم يصبح رد فعله على الحرمان العاطفي أنه سيعيش حياته بناءً على مبادئ مغلوطة، مثل "أنا لا أحتاج إلى أحد"، أو "لا أحد يستحق الثقة"، أو "أنا أستطيع أن أعتني بنفسي".
لكن بعض الأطفال يكونون خليطًا من كل هذه النظريات، فلا أحد يعيش بالمسطرة، فتجد مثلًا نظرية تجمع بين أول نظريتين.
التدليل والاتكالية، وهي رابع نظرية معنا:
وهذا الطفل يشعر بأنه أفضل من الآخرين، لكن في نفس الوقت يشعر بالتبعية وعدم الكفاءة، بسبب خدمة أهله الدائمة له، وتولي مهمة إنقاذه بدلًا من مساعدته على تطوير المهارات الضرورية للاعتماد على نفسه واكتساب استقلالية تعينه على الحياة، فيكبر وهو يتوقع الحصول على اهتمام زائد، أو يتجنب المبادرة أو اتخاذ القرارات خوفًا من أن يظهر فشله.
أما رقم خمسة في نظريات وأسباب النرجسية فتجمع بين الحرمان والاتكالية
وهو شخص من السهل أنه يشعر بالإهانة والاتكالية، فيحتاج إلى الآخرين لكي يخبروه بأنه شخص جيد ويديروا حياته.
لكنه في الكواليس يسعى للاحتماء بالآخرين من شعور عميق بالخزي تجاه وحدته وضعف قدراته.
فيبحث دائمًا عن التقدير والثناء والاستحسان، وفي نفس الوقت يمكن أن ينقلب عليك أو يخفي شعوره بالإحباط والأذى ويشعر بأحقيته في حماية نفسه عن طريق الهجوم أو الإلهاء أو الاستنزاف.
تلك كانت الأسباب التي تجعل الشخص نرجسيًّا، لكن انتبه، إن المرور بالظروف لا يعني بالضرورة الإصابة بالنرجسية، لأن أطفالًا كثيرين ينشؤون في مثل هذه الظروف ويصبحون أشخاصًا أسوياء خصوصًا لو ملأ شخص الفراغ الذي تركه الأهل في الطفل وساعده على أن يتربى بشكل سليم، سواء معلم جيد أو شخص مقرّب للطفل.
أصبحت لديك الآن نظرة عامة عن مختلف أنواع الشخصية النرجسية، وقادرًا على تحديد إلى أي نوع ينتمي الشخص الذي تتعامل معه، لكن كيف تتعامل معه، هذا ما ستعرفه الآن.
- كيفية التعامل مع الشخص النرجسي؟
رقم واحد: التحرر من عاداتك التلقائية.
وهذا معناه: أن تحدد عاداتك السيئة، وتمنع نفسك من فعلها، مثل:
سعيك لجعل الآخرين يقبلونك بأي شكل، وهذا يدفع النرجسي لاستغلالك.
والإحساس بالشفقة على النفس ولعب دور الضحية والاعتماد على الآخرين والخوف والقلق. وكلها عادات موجودة لديك منذ زمن، دورك الآن تحديدها والتحرر منها.
أما الخطوة الثانية في تعاملك مع النرجسي، فاستخدم المواجهة المتعاطفة.
لأن من طبيعة النرجسي استغلال الآخرين، وهذا يتطلب منك مواجهته.
والمواجهة تنطلق من التعاطف لمعرفتك بحقيقة النرجسي والظروف التي مر بها، والعوامل التي كونت شخصيته.
ليس معنى ذلك أن تشفق عليه، لكن أن تتفهم تجربة الشخص من الناحية العاطفية والذهنية والجسدية.
ليس شرطًا أن تتفق مع تجربته أو تدعمها، لكن اشعر بالشخص وبتجربته.
وانطلاقك من التعاطف سيسهل عليك المواجهة.
كل هذا بهدف إنجاح العلاقة مع الشخص النرجسي، خصوصًا لو كان يلعب دورًا محوريًّا في حياتِك، كأن يكون أخاك أو صديقتك التي لا تستطيعين الاستغناء عنها.
دعيني أوضح لك أكثر كيف تستخدمين المواجهة المتعاطفة مع النرجسي بشكل فعال:
أولًا: ميّزي بين ارتكاب الخطأ والمسؤولية عنه.
عندما تتناقشين مع النرجسي بخصوص مشكلة معينة، ركزي على مسؤوليته في المشكلة وليس على الخطأ.
فبدلًا من الغضب لتأخره عن موعدكما، قولي له "أنا متأكدة أنك تأخرت دون إرادة منك، لكن يصعب عليّ أن أتفهم تأخرك دون أن تتصل لتخبرني"
ثانيًا: تحديد الخطوط الحمراء.
لو كانت حماتك مثلًا تتدخل في حياتك، ابدئي في فهم سلوكها وسبب فعلها ذلك، ثم حمليها المسؤولية عن تصرفاتها في لحظة تدخلها في حياتك.
قولي مثلًا، "أنا أقدر مساعدتك لنا ورغبتك في أن تكون حياتنا أفضل.
لكن أرجو أن تحترمي قراراتنا الزوجية حتى لو لم تكوني موافقة عليها.
هذا سيساعدنا على حماية علاقتنا من أي كراهية."
أما ثالث شيء في المواجهة وضع قواعد المعاملة بالمثل.
لأن العلاقات تحتاج إلى أخذ وعطاء، وليس صحيحًا أن يكون طرف واحد هو الفعّال.
لذلك فلكي تنجح من المهم أن يشعر الطرفان أنهما مهمان، وأن مشاعرهما وآراءهما ورغباتهما مسموعة، وأن هناك تبادل للاهتمام.
دون هذا التبادل سنجد واحدًا من الطرفين سيصل إلى الاحتراق وسينطفئ دون أي اهتمام من الطرف الثاني.
والخطوة الثالثة والأخيرة في التعامل مع النرجسي.. التي يمكن أن تكون أفضل الحلول في بعض الأحيان، وهي: الهروب.
لو كنتِ في بداية علاقتك بشخص نرجسي وتشعرين أنك لن تستطيعي أن تكملي معه، فالأفضل أن تهربي.
نحن غالبًا نتمسّك بالأشخاص المؤذين، لأننا نعتقد أن إصلاحهم مسؤوليتنا.
وأنهم ما داموا قد دخلوا حياتنا فلا يمكننا أن نتخلى عنهم.
لكن هذا للأسف ينبع من رغبتنا في التحكم في حياة الآخرين، أكثر من الرغبة في مساعدتهم.
لأن من يساعد لو شعر بخطر على نفسه أو على غيره، فإنه يتوقف عن المساعدة.
لكننا نكمل، كأنها رغبة قهرية داخلنا.
= وهنا نصيحة، لو ظهرت علامات نرجسية على الشخص ولا يظهر عنده استعداد للتغيير أو طلب المساعدة فالهروب قد يكون هو الحل المناسب.
وفي النهاية أريد أن أخبركم أنكم مهما رأيتم من النرجسي وتعامله بأنانية مفرطة، إلا أنه بالتأكيد سيظل (مثلنا) مشتاق، وإن كان في اللاوعي عنده، لملاذ آمن وهادئ، يجده في حضن دافئ، فلا تتعامل معه بجفاء زائد وتعامل معه كما اتفقنا.
تعليقات
إرسال تعليق